ونجد المعنى ذاته في المعاجم لو بحثنا عن الرواسي ، ففي لسان العرب : (رسا الشيء يرسو رسوا وأرسى ثبت ، وأرساه هو ، ورسا الجبل يرسو إذا ثبت أصله في الأرض ، وجبال راسيات والرواسي من الجبال الثوابت الرواسخ ... راسية ورست قدمه ثبتت في الحرب ، ورست السفينة ترسو رسوا بلغ أسفلها القعر وانتهى إلى قرار الماء فثبتت وبقيت لا تسير) (١).
وفي «المصباح المنير» : (رسا الشيء يرسو رسوا ورسوا ، ثبت فهو راس ، وجبال راسية وراسيات ورواس ، وأرسيته بالألف للتعدية ، ورست أقدامهم في الحرب ، ورسوت بين القوم أصلحت ، وألقت السحابة مراسيها ، دامت) (٢).
يتسنّى لنا الآن وقد عرضت طائفة من أقوال المفسرين وأصحاب المعاجم ، أن يستخلص من معطيات النصوص القرآنية ما يلي :
أولا : عبّر القرآن الكريم عن عملية نشأة وتكوين الجبال بالفعل «ألقى» ، والإلقاء يكون من أعلى إلى أسفل ، كقوله تعالى : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (٣) ، وكقوله سبحانه : (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (٤).
وكذلك يكون الإلقاء من أسفل إلى أعلى كقوله تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)) (٥) ، وتعتبر هاتان الطريقتان من أبرز الطرق التي تتم من خلالها تشكيل الجبال ، وهذا ما سنتعرف عليه بعد قليل.
ثانيا : يستخدم القرآن الكريم أحيانا لفظ (رواسي) عوضا عن (جبال) ، وفي ذلك تصريح واضح بأن الجبال هي بمثابة الرواسي للأرض ، والتي تثبتها وتقرها.
الحقائق العلمية :
سيساق طائفة من أقوال ودراسات علماء الجيولوجيا ، والتي سنرى من خلال عرضها أن نشأة وتكوين الجبال إنما تتم بفعل الإلقاء من الأعلى إلى الأسفل ، كتكوين
__________________
(١) لسان العرب ، لابن منظور ، ١٤ / ٣٢١.
(٢) المصباح المنير ، للمقري ، ١ / ٢٢٧.
(٣) سورة طه ، الآية : ٦٩.
(٤) سورة النمل ، الآية : ١٠.
(٥) سورة الانشقاق ، الآيتان ٣ ، ٤.