المبحث الثالث
مراحل التحدي بالقرآن الكريم
سبقت الإشارة إلى أن من شروط المعجزة التحدي ، وبما أن القرآن الكريم هو
المعجزة الخالدة وهو الآية الساطعة الناطقة بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فكان لزاما أن يميط اللثام عن مزاعم القوم ، وضعفهم وعجزهم أمام عظمته وإعجازه ، فلذلك دخل معهم ساحة التحدي ، وميدان المبارزة ...
ونلحظ ذلك في غير ما موضع من كتاب الله تعالى ، حيث مهّد للتحدي بآيات عظيمة تعلن أن مصدر هذا القرآن هو من عند الله عزوجل ، ومن المحال أن يصدر من أدمغة البشر مهما ترقوا في مدارج العبقرة والتأمل ...
وها هو ذا يؤكد هذا المعنى من جهة ، ويبدد سحب الظلام التي تغشّت سماء عقول القوم من جهة أخرى حول مصدر القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ...) (١).
جاء في «فتح القدير» عند هذه الآية : (أي وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشتمل على الحجج البينة والبراهين الواضحة يفترى من الخلق من دون الله ، وإنما هو من عند الله عزوجل وكيف يصح أن يكون مفترى ، وقد عجز عن الإتيان بسورة منه ، القوم الذين هم أفصح العرب لسانا وأدقهم أذهانا (وَلكِنْ) كان هذا القرآن (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب المنزلة على الأنبياء ، ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة ، لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة ، مع أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يطلع على ذلك ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك) (٢).
ثم يقلب وجوه عموم هذا التحدي ، وذلك من خلال التنبيه على أن هذا الكتاب
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ٣٧.
(٢) فتح القدير ، محمد بن علي الشوكاني ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، د. ت ، ٢ / ٦٤٤.