ثانيا ـ مرحلة خلق السموات والأرض
قال تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١)) (١).
كان الحديث في الآية الأولى عن طبيعة المادة الكونية الأولى وماهيتها ، وكيف أنها كانت كتلة واحدة ثم انفصلت ، أما هنا فالآية تتحدث عن أطوار خلق السموات والأرض ، والمراحل التي اعترتها بعد عملية انفصال المادة الأولى.
وهذه الآية الكريمة تقرر حقيقة كونية ثابتة وقطعية الدلالة وهي ، أن الأرض بعد عملية فتق الرتق خلقت أولا ، ثم تمّ تشكيل السماء وبناؤها من الدخان ، وهذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين ، ولقد وقع في الخطأ والخلط من حاول أن يقدم مرحلة خلق السموات على الأرض ، بسبب رغبة شديدة دفعته إلى توأمة هذا النص القرآني مع التخمينات النظرية التي تحدث عنها بعض الفلكيين ، من أن السموات خلقت قبل الأرض ، وهذا الكلام لا يستند إلى دليل لا من النصوص القرآنية ولا من المعطيات العلمية الثابتة ، وهذا ما سيوضح بعد إلقاء نظرة حول هذه الآية في كتب التفاسير.
ففي «أنوار التنزيل» : ((قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) في مقدار يومين ، أو نوبتين ، وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ، ولعل المراد من (الْأَرْضِ) ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها (فِي يَوْمَيْنِ) أنه خلق لها أصلا مشتركا ، ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا ، (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) قصد نحوها من قولهم : استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم تفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها : (وَهِيَ دُخانٌ) أمر ظلماني ، ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا) بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة ، أو : (أَتَيْنا) في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة ، أو الإخبار أو إتيان
__________________
(١) سورة فصلت ، الآيات ٩ ـ ١١.