بمثل ما أنزل على رسوله بلاغة ، وحسن معنى وتصرفا وأحكاما ونحو ذلك ، لا يأتون بمثله وفيهم العرب العظماء وأرباب البيان ، ولو تعاونوا وتظاهروا ، فإن هذا غير ميسور لهم ، فكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثيل ...) (١).
(إلا أننا وجدنا العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان يعجزون جميعا عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، الذي تتلى آية التحدي فيه صباح مساء ، على رءوس الأشهاد ، وكأنها تثير فيهم الحمية لمجابهة هذا التحدي ، إلا أنهم رغم هذا ورغم كل ما يبذلونه من محاولة للقضاء على القرآن ودعوته لم يجدوا إلى تحدّي القرآن أي سبيل ، ولو وجدوا لفعلوا ... إلا أنه العجز البشري ، أمام القدرة الإلهية التي لا تتحدّى ...) (٢).
(وفي تقاصر قوى هؤلاء جميعهم عن ذلك ، مع طول الزمن دليل قاطع على أنه ليس مما اعتيد صدوره عن البشر ، بل هو كلام عالم الغيب والشهادة ...) (٣).
المرحلة الثانية :
وتبدأ المرحلة الثانية ، وهي مرحلة التحدي بعشر سور من القرآن الكريم ، فبما أن القوم تعثرت عبقريتهم في طريقها لتحدي القرآن ، وتقوّضت أركان الفكر والبيان لديهم وراح العجز يحيطهم من كل مكان عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، أرخى الحق لهم العنان وطالبهم بعشر سور من مثل هذا البيان ، فقال تعالى :
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤).
ويصف الدكتور مصطفى مسلم هذه المرحلة فيقول : (ولم يبق للمشركين أرض يقفون عليها ولا حجة يستندون إليها ، فقالوا : إن هذه العلوم والأمور الغيبية والهدايات الواردة في القرآن لا عهد لنا بها ، وهذا سبب عجزنا عن معارضة القرآن ، قالوا ذلك وهم لا يدرون أن هذا حجة عليهم لأن محمدا صلىاللهعليهوسلم ما هو إلا رجل منهم عاش بين أظهرهم ولم يزد في العلوم الاكتسابية عليهم بشيء ، فأرخى القرآن الكريم لهم العنان
__________________
(١) تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي ، ١٤ / ٩٢.
(٢) المعجزة القرآنية ، د. محمد حسن هيتو ، ص : ٣٣.
(٣) محاسن التأويل ، محمد القاسمي ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ، ١٩٧٨ ، ١٠ / ٢٩٦.
(٤) سورة هود ، الآية : ١٣.