ونحن نلحظ أن هذه المعجزة العظيمة أقامت الدليل القاطع على صدق نبوة محمد ابن عبد الله صلىاللهعليهوسلم ذلك لأنها خرقت قوانين البشر ، وما اعتادوا عليه في حياتهم ، وأظهرت لهم وجه الإعجاز العظيم ، فالماء تراه الأعين كيف ينبع ويفور من بين أصابعه صلىاللهعليهوسلم وأيدي الصحابة الكرام تغترف منه وتتوضّأ والناس شربوا منه حتى ارتووا وانطفأ لهيب ظمأهم.
يقول القاضي عياض : (ومثل هذا في هذه المواطن الحافلة والجموع الكثيرة ، لا تتطرق التهمة إلى المحدث به ، لأنهم كانوا أسرع شيء إلى تكذيبه لما جبلت النفوس عليه من ذلك ، ولأنهم كانوا ممن لا يسكت على باطل ، فهؤلاء قد رووا هذا ، وأشاعوه ونسبوا حضور الجمّاء الغفير له ، ولم ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوا وشاهدوه ، فصار كتصديق جميعهم له) (١).
٢ ـ تكثير الطعام :
(عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثين ومائة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «هل مع أحد منكم طعام»؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه ، فعجن ، ثم جاء رجل مشرك ، مشعان طويل ، بغنم يسوقها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «بيعا أم عطية» أو قال : «أم هبة» قال : لا بل بيع ، فاشترى منه شاة ، فصنعت ، وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بسواد البطن أن يشوى وأيم الله ، ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز النبي صلىاللهعليهوسلم له حزة من سواد بطنها ، إن كان شاهدا أعطاها إياه ، وإن كان غائبا خبأ له ، فجعل منها قصعتين ، فأكلوا أجمعون وشبعنا ، ففضلت القصعتان فحملناه على البعير) (٢).
__________________
ـ بيروت ، مؤسسة الرسالة ، تحقيق ، شعيب الأرناءوط ، الطبعة الثانية ، ١٤١٤ ه / ١٩٩٣ رقم :
(٦٥٤١) ، ١٤ / ٤٧٩ ، وصحيح ابن خزيمة ، محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، تحقيق ، محمد مصطفى الأعظمي ، ١٣٩٠ ه رقم : (١٢٤) ١ / ٦٥.
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، تحقيق ، علي محمد البجاوي ، د. ت ، ١ / ٤٠٥.
(٢) رواه البخاري ، في الهبة ، باب قبول الهدية من المشركين ، رقم (٢٤٧٤) ، ٢ / ٩٢٣ ، ورواه مسلم ، في الأشربة ، باب إكرام الضيف رقم (٢٠٥٦) ، ٣ / ١٦٢٦ ، والآحاد والمثاني ، أحمد ابن عمرو بن الضحاك الشيباني ، الرياض ، دار الراية ، تحقيق ، باسم فيصل الجوابرة الطبعة الأولى ، ١٤١١ ه ، رقم (٦٥٦) ، ١ / ٤٧٢.