فما كان أعلى شأنا وأعظم برهانا منها أولى بأن يجب التأمل في أحوالها ومعرفة ما أودع الله فيها من العجائب والغرائب ، والرابع : أنه تعالى مدح المتفكرين في خلق السموات والأرض فقال : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (١) ولو كان ذلك ممنوعا منه لما فعل) (٢).
والحق أن الإمام الرازي قد توسع في ذكر القضايا العلمية في تفسيره ، حتى يخرجك في بعض الأحيان عن مقاصد النص القرآني الذي يبحثه بسبب إسهابه في ذكر المسائل الكونية والعلمية ، ومع غزارة علم هذا الإمام ، والثروة العلمية الهائلة التي تركها لنا في تفسيره ، والتي لا يستغني عنها أي باحث في علوم القرآن وفهم دقائقه ومعانيه ، فإن عددا ليس بالقليل من المسائل العلمية والكونية التي أوردها في تفسيره قد أصبحت اليوم بعد الثورة العلمية غير دقيقة ، لأنه إنما استقاها مما جدّ من ثقافة علمية في عصره وبيئته التي عاش فيها ، وعلى كل حال فإن الإمام الرازي يعتبر من أول من طبق هذا الاتجاه عمليا ، بعد ما أورده الغزالي في «إحيائه» بشكل نظري.
ولسنا بحاجة لإيراد أمثلة من تفسيره تدلنا على التطبيق العملي الذي قام به الرازي من تفسير النصوص القرآنية على أساس العلم ، فتفسيره فياض بذلك ، ولسوف نستشهد بآرائه وفهمه للنصوص القرآنية في الجانب التطبيقي من هذه الرسالة بعونه تعالى.
ثالثا ـ الإمام الزركشي (٣) :
ثم يأتي الإمام الزركشي في كتابه «البرهان في علوم القرآن» ليقرّر إمكانية استخراج كل شيء من القرآن الكريم.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١.
(٢) انظر : التفسير الكبير ، محمد فخر الدين الرازي ، بيروت ، دار الفكر ، ١٩٩٣ ، ١٤ / ٢٧٨.
(٣) ت ٧٩٤ ه ، محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الموصلي الشافعي بدر الدين ، ولد في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، وألّف تصانيف كثيرة في عدّة فنون ، وهو عالم في الحديث والتفسير ، ومن مصنّفاته شرح البخاري ، والتنقيح على البخاري ، وشرح التنبيه والبرهان في علوم القرآن ، وتخريج أحاديث الرافعي. انظر : طبقات المفسرين ، للأدنةوي ، ١ / ٣٠٢ وانظر ، كشف الظنون للقسطنطيني ١ / ٢٤٠ ، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، تحقيق ، عبد الوارث محمد علي ، الطبعة الأولى ، ١٤١٨ ه ١٩٩٧ ، ١ / ١٢٤ ، بتصرف.