المبحث الثالث
تمدد الكون وتوسعه
يقول سبحانه وتعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (١).
تعطينا هذه الآية الكريمة مشهدا آخر من مشاهد تخلق الكون وتطوره ، وهذا هو الطور الثاني الذي مرت به حركة الكون ، فبعد أن طرأ عليه الانفجار العظيم ، هبطت درجة حرارته المرتفعة ، وبدأ بالتبرد ، والتوسع ، والانتشار ، والتمدد الدءوب المستمر ... وإن هذا التوسع وذاك التمدد ، لم يسر عبر مسالك مستوعرة ، وطرق وساحات قد ازدحمت بالفوضى والاضطراب ... ليست الحالة كذلك بل كما عبّر القرآن الكريم (بَنَيْناها) والبناء يقتضي هندسة دقيقة ، ويستلزم تصميما تشيع بين جنباته الرّتابة المتألقة.
وبإلقاء نظرة في كتب المفسرين حول معاني هذه الآية ، وما تصور لنا من معطيات كونية وعلمية نجد ما يلي :
يقول القرطبي : (في السماء آيات وعبر تدل على أن الصانع قادر على الكمال ، فعطف أمر السماء على قصة قوم نوح لأنهما آيتان ، ومعنى (بِأَيْدٍ) أي بقوة وقدرة ، عن ابن عباس وغيره : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قال ابن عباس : لقادرون ، وقيل : أي وإنا لذو سعة ، وبخلقها وخلق غيرها لا يضيق علينا شيء نريده ، وقيل : أي وإنا لموسعون الرزق على خلقنا ، ومنه أيضا ، وإنا لموسعون الرزق بالمطر وقيل : جعلنا بينهما وبين الأرض سعة) (٢).
ويقول البيضاوي : (وإنا لموسعون ، أي لقادرون ، من الوسع ، بمعنى الطاقة ، والموسع : القادر على الإنفاق ، أو لموسعون السماء ، أو ما بينها وبين الأرض ، أو الرزق) (٣).
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية : ٤٧.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٧ / ٥٢.
(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٥ / ٢٤١.