ومن أهم الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع وللكتابة فيه ، أننا نعيش في عصر الثورة العلمية ، وينبغي أن نسخّر طاقاتنا وكل ما نملك في عصر السرعة هذا في سبيل دعوة الناس إلى الله تعالى ، والدعوة إلى الله تعالى تتعدّد سبلها وتختلف وسائلها تبعا لاختلاف الزمان والمكان والحال ، وهذا هو السر في تباين وسائل الدعوة وأدواتها لدى الأنبياء والمرسلين عليهمالسلام ، فكانت بيناتهم تنسجم وتتناسب مع المستوى العلمي والعقلي لأقوامهم ، لكن تلك البينات كانت حياتها مرهونة بحياة أصحابها من الأنبياء ، فبرحيلهم عن هذا العالم ، رحلت معهم بيناتهم ، إلا ما خلدته الكتب السماوية والتاريخ.
ولئن كان علماؤنا اشترطوا مطابقة الدعوة للحال ، فإن أبرز ظاهرة تميّز بها عصرنا أنه عصر الاكتشافات العلمية ، والثورة التقنية التكنولوجية ، فالإعجاز العلمي بناء على ذلك هو أهم وسيلة دعوية تتلاءم مع معطيات زماننا ، ذلك لأن الإيمان بالله تعالى ما هو إلا ثمرة تحريك العقل وإعمال الفكر قبل أن يكون مسألة عاطفية شعورية.
ومما لا يخفى على أحد ، أن الداعية ينبغي أن يتسلّح بسلاح المنطق السليم والبرهان القويم ، ليقيم الحجة ويثبت صدق دعوته ، وإن السلاح العلمي المادي يعتبر من أقوى الأدلة المقنّعة للمكلفين ، ذلك لأنه مشاهد ومرئي ولا يستطيع أحد أن ينكره ... وإبراز مظاهر الإعجاز العلمي في هذا الصدد ، والتي تتمثل في عرض الآيات الكونية العلمية مقارنة مع المكتشفات العصرية ، لهو أعظم أسلوب يتفق مع ما توصل إليه الإنسان في هذا العصر ، والذي يمعن النظر في آي القرآن الكريم ، وما ورد مما صح عن النبي الكريم صلىاللهعليهوسلم يلاحظ أن عددا ليس بالقليل من الآيات والأحاديث توجه عقولنا لدراسة الآيات الكونية مع معطيات العلوم الإنسانية ، ليقف الإنسان بعد ذلك على مشاهد الجلال في كتاب الله تعالى حيث يتضح له السبق القرآني في ميدان إثبات الحقائق العلمية ، وهذه الحقائق تتضح وتنجلي كلما تقدم العلم ، وانكشفت أستار الكون واتضحت غوامضه وبانت خفاياه ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (١).
ويشار إلى أن هناك عددا ليس بالقليل من الكتب التي استفدت منها ، سواء في الدراسة التاريخية أم في التطبيقات المعاصرة ، ومن هذه الكتب : «مباحث في إعجاز
__________________
(١) سورة فصلت ، الآية : ٥٣.