المبحث الأول
بين الإسلام والعلم
ويتناول في هذا المبحث ثلاثة قضايا وهي :
أولا ـ الإسلام دين العلم
إن مما تميز به الإسلام عن غيره من الشرائع السماوية ، أنه توج رسالته بالعلم ، وأول كلمة نزلت من السماء إلى الأرض وعلى قلب النبي الكريم محمد بن عبد الله هي كلمة (اقْرَأْ) (١) ، فكانت تاجا وضعه الحق تبارك وتعالى فوق رأس هذه الأمة ، فكان الإسلام بهذا مفرق الطريق ، أو مفصلا في تاريخ الإنسانية ، لظاهرة العلم التي برزت فيه وحركة النشاط الفكري التي دفعت المجتمع البشري الذي نزل فيه الإسلام إلى الأمام فضلا عن مزاياه الأخرى المتعددة.
والمعيار الدقيق لكمال الإنسان أو نقصانه ، بيّنه الحق عزوجل بقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) ، وأولى القرآن الكريم العلم وأهله مكانة سامية بقوله : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٣).
غير أن الحق تبارك وتعالى وضع تصورا دقيقا وأساسا واضحا ينهض عليه العلم وتشاد عليه ركائزه ، وأول هذه الركائز ، التدبر في معرفة العلم الذي ستأخذه وذلك عند ما قال (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٤) والاقتفاء هو التتبع و (ما) من أدوات الشمول والعموم ، أي عموم ما لم تعلم حقيقته وتدرك كنهه وتتبصر فيه الغث من السمين لا تتبعه ، وما ذلك إلا لأن
__________________
(١) سورة العلق ، الآية : ١.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٩.
(٣) سورة المجادلة ، الآية : ١١.
(٤) سورة الإسراء ، الآية : ٣٦.