الأدوات التي تتحصّل من خلالها على العلوم والمعارف ستسأل عنها يوم القيامة ، كما قال تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ومنهج القرآن متفرد في هذا الصدد ، لأنه يحث الناس على اقتفاء العلم النافع وهجر ما لا ينفع ، ومن هنا كان يقول النبي الكريم صلىاللهعليهوسلم : «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع» (١).
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن الحق عزوجل لا يقبل إيمان عبد قد اكتسبه بوسيلة المحاكاة والتقليد للآباء والأجداد ، دون إدراك حقيقة الإيمان الذي ينبع من معين العلم والعقل والطاقة المبصرة النيرة والولاء المطلق لرسالة الإسلام ، قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (٢).
بل إن القرآن قد جعل الإيمان ثمرة من ثمرات العلم الحق ، لأن الأصل في الطريق إلى الله وإلى الإيمان هو العلم ، قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٣) فالعلم قد تقدم على التوحيد ، لأن صاحب العلم الحق يقوده علمه إلى مراتع الإيمان ورياض التوحيد ، أما العلم الذي يجعل صاحبه خاضعا لنزوات الحمأ المسنون لديه ، وعقله تبعا لعصبياته وأهوائه ، فإنه يوم القيامة من النادمين الذين يقرون ويعترفون أن بعدهم عن الإيمان في الدنيا ما كان إلا لأنهم ما عقلوا سر الحياة وما أدركوا قصة وجودهم في الكون ، وبالتالي غابت عنهم حقيقة العبودية لله عزوجل ، فأصبحوا أشبه ما يكونوا بالمجانين وفي ذلك يحكي القرآن عن هؤلاء فيقول سبحانه : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٤) نعم لو أنهم سمعوا الهدى وانقادوا لمستلزماته ، وأعملوا عقولهم وفكروا فيها لما تخبّطوا في أوحال الشرك ودياجير الظلام.
يقول ابن القيم : (إن كل ما سوى الله مفتقر إلى العلم ، ولا قوام له بدونه ، فإن الوجود وجودان وجود الخلق ووجود الأمر.
والخلق والأمر مصدرهما علم الرب وحكمته ، فكل ما ضمّه الوجود من خلقه وأمره
__________________
(١) رواه مسلم ، ٤ / ٢٠٨٨ ، رقم : (٢٧٢٢) ، ورواه الحاكم في المستدرك ، ١ / ١٨٥ ، رقم :
(٣٥٤).
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٧٠.
(٣) سورة محمد ، الآية : ١٩.
(٤) سورة الملك ، الآية : ١٠.