لا يقتضي الجمع بينهما ، وإن كان كل منهما مطلقا بالقياس إلى وجود الآخر وعدمه ، لما عرفت من أنه لا تحتيم فيه ، فهو أعني الأمر بالموسع لا يحتم عليه الجمع بينهما ، بل إن العقل حاكم عليه بلزوم تأخير الموسع والمفروض أن الشارع لم يمنعه من التأخير كي يلزم منه التكليف بالجمع بينهما ، فلو أتى بالموسع في ظرف المزاحمة كان ذلك المحال من قبله لا من قبل الشارع. وحاصل ذلك أن الحكم العقلي بلزوم التأخير لم يكن من قبيل التخصيص لدليل الأمر بالموسع ، بل كان تصرفا منه في كيفية امتثاله ، وهذا بخلاف ما لو كان بعض الأفراد غير مقدور تكوينا ، فان العقل يحكم بخروجه عن مدلول الأمر تخصيصا ، فتأمل.
ثم إنه ربما يورد على الجزء الثاني مما أفاده شيخنا من كون الأمر من قبيل إحداث الداعي ، بأن لازمه عدم توجه الأمر إلى من يعلم الشارع عصيانه ، وأنه لا يكون ذلك الأمر داعيا له على الفعل.
وفيه : ما لا يخفى ، فان المراد من إحداث الداعي ليس هو إحداثه في نفس المكلف فعلا وبالمباشرة ، بل المراد بذلك هو فتح باب الداعي له ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )(١) وهذه الغاية أعني فتح باب الداعي وسلب المعذورية جارية في من يعلم الشارع بعصيانه كما هي جارية في حق من يعلم باطاعته ، بل هي جارية في من يعلم بحصول الداعي له على الفعل من قبل نفسه لا من جهة الأمر ، ولعل جريانها مما يؤيد ما حررناه في التعبدي والتوصلي (٢) من أصالة التعبدية ،
__________________
(١) الأنفال ٨ : ٤٢.
(٢) عند التعرض لكلام المحقّق الكلباسي قدسسره في إشارات الأصول ، راجع المجلّد الأول من هذا الكتاب صفحة : ٤٦٦ وما بعدها. ولا يخفى أنّه قدسسره قد ابطل هذا القول فيما بعد. فراجع الصفحة : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ من المجلّد الأول.