قالت : اذهبي ـ يا بنيّة ـ فليس لنا فيك حاجة. فقالت لها النساء : عافاك الله ، انظري هل يقبل ، أو لا؟ فقالت امرأة فرعون : أرأيت لو قبل هذا ، هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل ، والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ؟ لا يرضى. قلن : فانظري أيقبل ، أو لا يقبل؟ قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها. فجاءت إلى أمّها ، فقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك. فدخلت عليها ، فدفع إليها موسى ، فوضعته في حجرها ، ثم ألقته ثديها ، فازدحم اللبن في حلقه ، فلمّا رأت امرأة فرعون أن ابنها قد قبل ، قامت إلى فرعون ، فقالت : إني قد أصبت لابني ظئرا ، وقد قبل منها. فقال : وممّن هي؟ قالت من بني إسرائيل. قال فرعون : هذا مما لا يكون أبدا ، الغلام من بني إسرائيل ، والظئر من بني إسرائيل؟ فلم تزل تكلّمه فيه ، وتقول : ما تخاف من هذا الغلام ، إنما هو ابنك ، ينشأ في حجرك؟ حتى قلبته عن رأيه ، ورضي.
فنشأ موسى عليهالسلام في آل فرعون ، وكتمت أمه خبره ، وأخته ، والقابلة ، حتى هلكت أمه ، والقابلة التي قبلته ، فنشأ عليهالسلام لا يعلم به بنو إسرائيل ـ قال ـ وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه ، فيعمى عليهم خبره ـ قال ـ فبلغ فرعون أنهم يطلبونه ، ويسألون عنه ، فأرسل إليهم ، فزاد في العذاب عليهم ، وفرّق بينهم ، ونهاهم عن الإخبار به ، والسؤال عنه».
قال : «فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ عنده علم ، فقالوا : لقد كنّا نستريح إلى الأحاديث ، فحتى متى ، وإلى متى نحن في هذا البلاء؟! قال : والله إنكم لا تزالون فيه حتى يحيي الله ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب ، اسمه موسى بن عمران ، غلام طوال جعد. فبينا هم كذلك ، إذ أقبل موسى عليهالسلام يسير على بغلة ، حتى وقف عليهم ، فرفع الشيخ رأسه ، فعرفه بالصفة ، فقال : ما اسمك ، يرحمك الله؟ قال : موسى. قال : ابن من؟ قال : ابن عمران. فوثب إليه الشيخ ، فأخذ بيده فقبّلها ، وثاروا إلى