الغرف. ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ صَبَرُوا) على دينهم فلم يتركوه لشدة نالتهم ، وأذى لحقهم ، وصبروا على مشاق الطاعات (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في مهمات أمورهم ، ومهاجرة دورهم.
ثم قال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) أي : وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا ، ... وقيل : معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها ، وتأكل بأفواهها ... وقيل : إن الحيوان أجمع من البهائم والطيور وغيرهما مما يدب على وجه الأرض ، لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم ، والنملة ، والفارة ، بل تأكل منه قدر كفايتها فقط ... (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أي : يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها ، ويرزقكم أيضا ، فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب. وعن عطا عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار ، فجعل يلتقط من التمر ويأكل. فقال : يا ابن عمر! مالك لا تأكل؟ فقلت : لا أشتهيه يا رسول الله. قال : «لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يابن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين». فو الله ما برحنا حتى نزلت هذه الآية : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ. وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي : السميع لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم ، العليم بأحوالكم ، لا يخفى عليه شيء من سركم وإعلانكم (١).
* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٨.