في اليمّ ، فجعل يرجع إليها ، وجعلت تدفعه في الغمر (١) ، وإنّ الريح ضربته فانطلقت به ، فلمّا رأته قد ذهب به الماء ، همّت أن تصيح ، فربط الله على قلبها».
قال : «وكانت المرأة الصالحة ، امرأة فرعون ـ وهي من بني إسرائيل ـ قالت لفرعون : إنها أيام الرّبيع ، فأخرجني واضرب لي قبّة على شط النيل ، حتى أتنزّه هذه الأيام. فضرب لها قبّة على شطّ النيل ، إذ أقبل التابوت يريدها ، فقالت : أما ترون ما أرى على الماء؟ قالوا : إي والله ـ يا سيّدتنا ـ إنا لنرى شيئا. فلما دنا منها ، قامت إلى الماء ، فتناولته بيدها ، كاد الماء يغمرها ، حتى تصايحوا عليها ، فجذبته ، فأخرجته من الماء ، فأخذته فوضعته في حجرها ، وقالت : هذا ابني. فقالوا : إي والله ـ يا سيّدتنا ـ مالك ولد ، ولا للملك ، فاتّخذي هذا ولدا. فقامت إلى فرعون ، فقالت : إني أصبت غلاما طيّبا حلوا ، نتّخذه ولدا ، فيكون قرّة عين لي ولك ، فلا تقتله. قال : ومن أين هذا الغلام؟ قالت : لا والله لا أدري ، إلا أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتى رضي.
فلمّا سمع الناس أن الملك قد تبنّى ابنا ، لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلا بعث إليه امرأته ، لتكون له ظئرا (٢) ، أو تحضنه ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثديا. قالت امرأة فرعون : اطلبوا لا بني ظئرا ، ولا تحقروا أحدا. فجعل لا يقبل من امرأة منهن ثديا. فقالت أمّ موسى لأخته : انظري أترين له أثرا؟ فانطلقت حتى أتت باب الملك ، فقالت : قد بلغني أنكم تطلبون ظئرا ، وها هنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم ، وتكفله لكم. فقالت : أدخلوها ، فلما دخلت ، قالت لها امرأة فرعون : ممّن أنت؟ قالت : من بني إسرائيل.
__________________
(١) الغمر : الماء الكثير. «لسان العرب ـ غمر ـ ج ٥ ، ص ٢٩».
(٢) الظئر : المرضعة غير ولدها. «النهاية : ج ٣ ، ص ١٥٤».