رجليه فقبلوهما ، فعرفهم وعرفوه ، واتّخذهم شيعة.
فمكث بعد ذلك ما شاء الله ، ثم خرج ، فدخل مدينة لفرعون ، فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا من آل فرعون من القبط ، (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) القبطيّ (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) وكان موسى عليهالسلام قد أعطي بسطة في الجسم ، وشدة في البطش ، فذكره الناس ، وشاع أمره وقالوا : إنّ موسى قتل رجلا من آل فرعون. (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) فلما أصبحوا من الغد (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) على آخر ، فقال له موسى : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ، بالأمس رجل واليوم رجل؟! (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(١) فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابّة ولا خادم ، تخفضه أرض وترفعه أخرى ، حتى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل ، فإذا تحتها بئر ، وإذا عندها أمّة من الناس يسقون ، وإذا جاريتان ضعيفتان ، وإذا معهما غنيمة لهما ، قال : ما خطبكما؟ قالتا : أبونا شيخ كبير ، ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرّجال ، فإذا سقى الناس سقينا. فرحمهما موسى عليهالسلام ، فأخذ دلوهما ، وقال لهما : قدّما غنمكما. فسقى لهما ، ثم رجعتا بكرة قبل الناس ، ثم أقبل موسى إلى الشجرة ، فجلس تحتها ، وقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(٢) فروي أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقّ تمرة.
فلمّا رجعتا إلى أبيهما ، قال : ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا : وجدنا
__________________
(١) القصص : ١٥ ـ ٢١.
(٢) القصص : ٢٤.