وقال أبو جعفر عليهالسلام : لا تعظموا علي (١).
ثم قالت : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) ، فقالوا لها ، كما حكى الله : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) فقالت لهم : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً). فقال الله عزوجل : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ).
ثمّ قالت : إن كان هذا نبيّا من عند الله ـ كما يدّعي ـ فلا طاقة لنا به ، فإنّ الله لا يغلب ، ولكن سأبعث إليه بهديّة ، فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها ، وعلمت أنه لا يقدر علينا. فبعثت إليه حقّة (٢) فيها جوهرة عظيمة ، وقالت للرسول : قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ، ولا نار. فأتاه الرسول بذلك ، فأمر سليمان جنوده من الديدان ، فأخذ خيطا في فيه ، ثمّ ثقبها ، وأخرج الخيط من الجانب الآخر ، وقال سليمان لرسولها : (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أي لا طاقة لهم بها ـ وهو ما روي عن أبي جعفر عليهالسلام (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ).
فرجع إليها الرسول ، فأخبرها بذلك ، وبقوّة سليمان ، فعلمت : أنه لا محيص لها. فخرجت وارتحلت نحو سليمان ، فلمّا علم سليمان بإقبالها نحوه ، قال للجنّ والشياطين : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) ، قال سليمان : «أريد أسرع من ذلك». فقال آصف بن برخيا : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ، فدعا الله باسمه الأعظم ، فخرج السرير
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.
(٢) الحقّة : وعاء من خشب ، وقد تسوّى من العاج «أقرب الموارد ـ حقق ـ ج ١ ، ص ٢١٥».