الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف ، والكون ، والقدر ، والحدّ والأين ، والمشيئة ، وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبداء ، فهما في العلم بابان مقرونان ، لأنّ ملك العرش سوى ملك ملك الكرسيّ ، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ ، فمن ذلك قال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي صفته أعظم من صفة الكرسيّ ، وهما في ذلك مقرونان».
قلت : جعلت فداك ، فلم صار في الفضل جار الكرسيّ؟ قال : «إنّه صار جاره ، لأنّ فيه علم الكيفوفيّة ، وفيه الظاهر من أبواب الباء ، وأينيّتها ، وحدّ رتقها وفتقها. فهذان جاران ، أحدهما حمل صاحبه في الصرف ، وبمثل صرف العلماء يستدلون على صدق دعواها ، لأنّه يختصّ برحمته من يشاء ، وهو القويّ العزيز.
فمن اختلاف صفات العرش ، أنه قال تبارك وتعالى : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)(١) وهو وصف عرش الوحدانية ، لأنّ قوما أشركوا كما قلت لك : قال تبارك وتعالى : (رَبُّ الْعَرْشِ) ربّ الوحدانيّة عمّا يصفون. وقوما وصفوه بيدين ، فقالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(٢) وقوما وصفوه بالرجلين ، فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السماء ، وقوما وصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات ، قال : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) يقول : ربّ المثل الأعلى عمّا به مثّلوه ، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ، ولا يتوهّم ، فذلك المثل الأعلى.
__________________
(١) الزخرف : ٨٢.
(٢) المائدة : ٦٤.