فرفع رأسه ، وقال ، كما حكى الله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) إلى قوله تعالى : (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجّة قويّة ـ أقول : قال أبو إبراهيم : قلت لأبي الحسن الأوّل عليهالسلام : جعلت فداك ، أخبرني عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورث النبيين كلهم؟ قال : «نعم» قلت : من لدن آدم ، حتى انتهى إلى نفسه؟ قال : «ما بعث الله نبيّا إلا ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلم منه».
قال : قلت : إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله. قال : «صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقدر على هذه المنازل».
قال : فقال : «إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده ، وشكّ في أمره ، فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) حين فقده. وغضب عليه. فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) وإنما غضب لأنه كان يدلّه على الماء ، فهذا وهو طائر ، قد أعطي ما لم يعط سليمان ، وكانت الريح ، والنّمل ، والجن والإنس ، والشياطين ، والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه».
وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى)(١) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء. وإنّ في كتاب الله لآيات ، ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون ، وجعله الله لنا في أمّ الكتاب ، إنّ الله يقول : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٢).
__________________
(١) الرعد : ٣١.
(٢) النمل : ٧٥.