(بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ). فهال الناس ذلك ، فأوجس في نفسه خيفة موسى ، فنودي : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى)(١). (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ) ، فذابت في الأرض مثل الرّصاص ، ثم طلع رأسها ، وفتحت فاها ، ووضعت شدقها الأعلى على رأس قبّة فرعون ، ثم دارت ، وأرخت شفتها السّفلى ، والتقمت عصيّ السحرة ، وحبالهم ، وغلب كلّهم ، وانهزم الناس حين رأوها ، وعظمها ، وهولها ، مما لم تر العين ، ولا وصف الواصفون مثله قبل ، فقتل في الهزيمة ، من وطء الناس بعضهم بعضا ، عشرة آلاف رجل وامرأة وصبيّ ، ودارت على قبّة فرعون ـ قال ـ فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما ، وشاب رأسهما ، وغشي عليهما من الفزع.
ومرّ موسى في الهزيمة مع الناس ، فناداه الله : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى)(٢) ، فرجع موسى ، ولفّ على يده عباءة كانت عليه ، ثمّ أدخل يده في فيها ، فإذا هي عصا كما كانت ، فكان كما قال الله : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) لمّا رأوا ذلك ، و (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ، فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا ، وقال : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) يعني موسى (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) فقالوا ، كما حكى الله : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ).
فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن ، حتى أنزل الله عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، فأطلق فرعون عنهم فأوحى
__________________
(١) طه : ٦٨ و ٦٩.
(٢) طه : ٢١.