بتصديقه ، فقام إليه هامان ، فقال له : بينما أنت إله تعبد ، إذ صرت تابعا لعبد!
ثم قال فرعون للملأ الذين حوله : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) إلى قوله : (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). وكان فرعون وهامان قد تعلّما السّحر ، وإنما غلبا الناس بالسحر ، وادّعى فرعون الربوبيّة بالسّحر ، فلما أصبح بعث (فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) ، مدائن مصر كلّها ، وجمعوا ألف ساحر ، واختاروا من الألف مائة ، ومن المائة ثمانين ، فقال السحرة لفرعون : قد علمت أنّه ليس في الدنيا أسحر منا ، فإن غلبنا موسى فما يكون لنا عندك؟ قال : (إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) عندي ، أشارككم في ملكي. قالوا : فإن غلبنا موسى ، وأبطل سحرنا ، علمنا أن ما جاء به ليس من قبل السحر ، ولا من قبل الحيلة ، وآمنّا به ، وصدّقناه. فقال فرعون : إن غلبكم موسى ، صدّقته أنا أيضا معكم ، ولكن أجمعوا كيدكم ، أي حيلتكم».
قال : «وكان موعدهم يوم عيد لهم ، فلمّا ارتفع النهار من ذلك اليوم ، جمع فرعون الخلق ، والسحرة ، وكانت له قبة طولها في السّماء ثمانون ذراعا ، وقد كانت كسيت بالحديد والفولاذ المصقول ، فكانت إذا وقعت الشمس عليها ، لم يقدر أحد أن ينظر إليها ، من لمع الحديد ، ووهج الشمس ، وجاء فرعون وهامان ، وقعدا عليها ينظران ، وأقبل موسى ينظر إلى السّماء ، فقالت السحرة لفرعون : إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ، ولن يبلغ سحرنا إلى السماء ، وضمنت السحرة من في الأرض. فقالوا لموسى : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ)(١) قال لهم موسى : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) فأقبلت تضطرب ، وصالت (٢) مثل الحيّات ، وهاجت ، فقالوا :
__________________
(١) الأعراف : ١١٥.
(٢) صال عليه : إذا استطال ووثب. «الصحاح ـ صول ـ ج ٥ ، ص ١٧٤٦».