يتحدث عن التربية والتهذيب في الأخلاق والسلوك والمعاملات ، فهل يتعسّر على العربي فهم هذه الأخلاقيات المطروحة والمعروفة؟.
وهكذا عند ما يتحدث عن باقي الجوانب الحياتية والتشريعية وغيرهما ، فإن العرب كانوا بسليقتهم الصافية يدركون وبسهولة كل هذه المعاني القرآنية ...
من أين جاء الإعجاز إذن؟ إن القرآن لم يبعد عن كلام العرب ولغتهم ، والمادة التي يتألف منها كلامهم؟
هذا ما يطوف في أذهان كثير من الناس ، ولكن يقرر أن القرآن معجز ... إنّه معجزة خالدة ، مع كل ما ذكر ، فإن العرب قد عجزوا عن الإتيان ولو بأقصر سورة من مثله.
ولهذا الذي ذكر ، فإن العلماء قديما وحديثا انكبّوا على دراسة القرآن ، والكشف عن أسراره ووجوه الإعجاز فيه ، فاتجهت أبحاثهم ودراساتهم الغزيرة لكي يقفوا على السر الذي به كان القرآن معجزة كبرى ، وتبوّأ مكانة سامية وعظيمة تنزوي لديه الرقاب ، وتقصر عن مطاولته النفوس والطمع للوصول إلى عشر معشاره همم جهابذة الناس ، مع أنه كلام من جنس كلامهم ...
وراح العلماء يكتبون في وجوه إعجاز القرآن ، فمن الذين أفاضوا الحديث عن إعجاز القرآن الإمام «الباقلاني» في كتابه «إعجاز القرآن» (١) ، والإمام البلاغيّ الكبير «عبد القاهر الجرجاني» في كتابه «دلائل الإعجاز» (٢) ، وكذلك القاضي «عياض» في كتابه القيّم «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (٣) فقد تحدث عن وجوه إعجاز القرآن ، والإمام «القرطبي» وغيرهم ... ومن المعاصرين الذين تحدثوا عن وجوه إعجاز القرآن ، حجة الأدب في العصر الحديث «مصطفى صادق الرافعي» ، في كتابه «إعجاز القرآن» (٤) ، وقد أفرد الشهيد «سيد قطب» كتابا كاملا تحدث فيه عن وجه واحد من وجوه إعجاز القرآن هو «التصوير الفني في القرآن الكريم» (٥) ، وغير هؤلاء كثير ممن جنّدوا أقلامهم ، وأسهروا ليلهم ليقعوا على أسرار وجوه الإعجاز في كتاب الله تعالى.
__________________
(١) إعجاز القرآن ، محمد بن الطيب الباقلاني.
(٢) دلائل الإعجاز في علم المعاني ، للإمام البلاغي عبد القاهر الجرجاني.
(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي.
(٤) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، لمصطفى صادق الرافعي.
(٥) التصوير الفني في القرآن الكريم ، لسيد قطب ، القاهرة ، دار الشروق ، ١٩٩٧.