لا يحرك في عقولهم ونفوسهم إلا ما قد تأصّل فيها من عداوة واشمئزاز ، نتيجة ما قد رسمه لهم أشخاص حاقدون.
ولا أدل على هذا الذي نقول من أن الرحلات المتعددة ، والصلة المباشرة المستمرة مع الشرق كانت وثيقة متينة ، وكان من نتائجها أنها قشعت الأوهام المظلمة التي تلبّدت في سماء عقول الغرب تجاه المسلمين وقرآنهم ونبيهم ، فمن من كتّاب الغرب الذين يحترمون أقلامهم وأفكارهم ، يجرؤ أن يكتب أو يقول بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو إله المسلمين كما كان يسوغ هذا لكتّاب غربيين مضوا؟.
وعند ما كتب الشيخ رشيد رضا مقدمة لكتاب «إعجاز القرآن» كان من جملة ما قال : (فإن من أوتي حظّا من بيان هذه اللغة ، وفاز بسهم رابح من آدابها حتى استحكمت له ملكة الذوق فيها لا يملك أن يدفع عن نفسه عقيدة إعجاز القرآن ، ببلاغته وفصاحته وبأسلوبه في نظم عبارته وقد صرّح بهذا من أدباء النصرانية المتأخرين الأستاذ جبر ضومط مدرّس علوم البلاغة بالجامعة الأمريكانية في كتابه الخواطر الحسان) (١).
والذي يستقصي هذه الأقوال المنصفة من علماء الغرب المنصفين يجدها كثيرة جدا ، وتدل بمجملها على أن هؤلاء حين قرءوا القرآن جذبهم إليه ، وشغل قلوبهم وعقولهم ، وقذف في أعماق فكرهم وضميرهم يقينا جازما بأن هذا الكتاب إنما هو كلام الله تعالى ، وأنه فوق كل المعجزات ، وأنه معجزة خالدة تبرهن بنفسها على نفسها ، ولا يمكن أن يصل طوق أحد من البشر مهما أوتي من بلغة وفصل خطاب ، إلى شيء يسير من بيان القرآن وإعجازه.
ولكن وبعد هذا العرض الذي عشنا أجواءه وتضاعيفه ، لنا أن نتساءل ، متى نشأ مصطلح إعجاز القرآن؟ وكيف كانت بدايته؟ وما هي الدوافع الأساسية الأولى التي حفّزت علماء المسلمين لئن يكتبوا مدونات في هذا المجال؟ هذا ما سيبحث في الفصل القادم إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) مقدمة كتاب ، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، لمصطفى صادق الرافعي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، د. ت ، ص : ٧.