خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (١).
تمثّل هذه الآية الكريمة إعجازا علميا رائعا في علم المناخ والرياح ، وتكوين السحب الركامية ، فهي تتحدّث عن مراحل تكون السحب الركامية ، والتي تبدأ بدفع الرياح للسحاب رويدا رويدا ، ثم تأتي المرحلة الثانية والتي تتمثل بتأليف وجمع قطع السحاب ، ثم تصبح هذه القطع مركومة فوق بعضها البعض ، وعملية الركم هذه تنتج نزول المطر ، وبسبب التراكم التصاعدي تنشأ جبال سيارة في السماء من البرد ، ونويات البرد هذه محصورة في السحب الركامية ، ولم نقرأ في السحب البساطية أنها تحتوي البرد أو البرق والرعد ، ثم إن الآية تخبر أن هذا البرد له برق ، والبرق هو نتيجة حتمية للبرد وغير هذه الحقائق والأسرار تحتويها هذه الآية ، وسوف نرى أن العلم وصل بشكل دقيق إلى ما أوضحتها الآية القرآنية ، بعد ما تطور علم الأرصاد الجوية ، واستعمل العلماء أجهزة الاستشعار عن بعد والرادارات والأقمار الصناعية وغيرها ، ولكن نقف عند تفسير الآية مع علماء التفسير ، وشرح مفرداتها مع اللغويين.
يقول ابن كثير : (يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي يجمعه بعد تفرقه (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) أي متراكما ، أي يركب بعضه بعضا (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي من خلله ... (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) معناه أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد ... (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) يحتمل أن يكون المراد بقوله : (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد ، فيكون قوله : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) رحمة لهم (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) أي يؤخر عنهم الغيث ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله سبحانه : (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد نقمة على من يشاء ، لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم ويصرفه عمن يشاء أي رحمة بهم ، وقوله : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته) (٢).
وفي تفسير «روح المعاني» : ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) الإزجاء سوق الشيء برفق
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤٣.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٦ / ٦٦ ، وانظر : الأساس في التفسير ، سعيد حوى ، القاهرة ، دار السلام ، الطبعة الثانية ، ١٩٨٩ ، ٧ / ٣٧٩٢.