بعد هذا الإيضاح والتعريفين الهامين ، نأتي للحديث عن أنواع الرياح بين العلم والقرآن ، وسنتعرض الآن للقسم الأول من الرياح التي بسط الحديث عنها ربنا في كتابه العزيز ، وهي المختصة بالرحمة والخير ، الرياح.
أولا : اللواقح :
قال تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) (١).
تعلق هذه الآية الكريمة إنزال الماء من السماء بتلقيح الرياح للسحب ، وتزويد السحب بقطرات الماء ، وهذه حقيقة مشاهدة أثبتها علماء المناخ وأفاضوا الحديث عنها ، ولكن لنجول في تفاسير العلماء والمعاجم حتى نرى كيف فهموا هذه الآية.
يقول القرطبي : (معنى لواقح ، حوامل لأنها تحمل الماء والتراب والسحاب والخير والنفع ... وجعل الريح لاقحا لأنها تحمل السحاب ، أي تقله وتصرفه ثم تمر به فتستدرّه أي تنزله) (٢).
وقال الزمخشري عن اللواقح : (فيه قولان : أحدهما أن الريح لاقح ، إذا جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر كما قيل للتي لا تأتي بخير ريح عقيم ، والثاني : أن اللواقح بمعنى الملاقح) (٣).
وقال الطبري : (اختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح ، وإنما هي ملقحة لا لاقحة وذلك أنها تلقح السحاب والشجر ، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح ، كما يقال : ناقة لاقح ، كان بعض نحويي البصرة يقول : قيل : الرياح لواقح ، فجعلها على لاقح ، كأن الرياح لقحت ، لأن فيها خيرا فقد لقحت بخير ، قال : وقال بعضهم : الرياح تلقح السحاب ، فهذا يدلّ على ذلك المعنى لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه ، وكان بعض نحويي الكوفة يقول : في ذلك معنيان أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح ، فيقال : ريح لاقح ، كما يقال : ناقة لاقح ... والصواب من القول في ذلك عندي : أن الرياح لواقح
__________________
(١) سورة الحجر ، الآية : ٢٢.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ٥ / ١٥ ، وانظر : تفسير البشائر ، علي الشربجي ، دمشق ، دار البشائر ، الطبعة الأولى ، ١٤١٨ ه ٢ / ٢٢٤.
(٣) الكشاف ، للزمخشري ، ٢ / ٣٨٩.