الأصوات وتسكن الجوارح ، وظل الفناء يشمل كل حي ، ويطوي كل حركة ، ويغمر آفاق السموات والأرض ، وجلال الوجه الكريم الباقي يظلل النفوس والجوارح ، والزمان والمكان ، ولا يملك التعبير البشري أن يصور الموقف ، ولا يملك أن يزيد شيئا على النص القرآني الذي يسكب في الجوانح السكون الخاشع ، والجلال الغامر ، والصمت الرهيب ... الصمت الذي يرسم مشهد الفناء الخاوي) (١).
وفي تفسير القرطبي : (قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قال ابن عباس : تكويرها ، إدخالها في العرش ، وقال الحسن : ذهاب ضوئها ، وقال سعيد بن جبير : عوّرت ، وأبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة ، تلف فتمحي ، قلت : وأصل التكوير : الجمع ، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها ، فهي تكوّر ويمحى ضوؤها ، ثم يرمى بها في البحر ، والله أعلم) (٢).
ويقول الطبري : (اختلف أهل التأويل في قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) فقال بعضهم : معنى ذلك إذا الشمس ذهب ضوؤها ، فعن أبيّ بن كعب ، قال : ستّ آيات قبل يوم القيامة : بينا الناس في أسواقهم ، إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك ، إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك ، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحرّكت واضطربت واحترقت ، وفزعت الجنّ إلى الإنس ، والإنس إلى الجنّ ، واختلطت الدوابّ والطير والوحش ، وماجوا بعضهم في بعض ، و (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) ، اختلطت و (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) ، قال : أهملها أهلها : و (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) ، قال : قالت الجنّ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر قال : فانطلقوا إلى البحار ، فإذا هي نار تأجّج قال : فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة ، إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا قال : فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم ، وعن مجاهد : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قال : اضمحلت وذهبت ، وعن قتادة ، في قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قال : ذهب ضوؤها فلا ضوء لها) (٣).
وكذلك قال ابن كثير : (معنى قوله تعالى : (كُوِّرَتْ) جمع بعضها إلى بعض ، ثم لفت فرمي بها وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها) (٤).
__________________
(١) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٦ / ٣٤٥٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٩ / ٢٢٧.
(٣) جامع البيان ، للطبري ، ٣٠ / ٦٦.
(٤) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٨ / ٣٢٨.