خلقهنّ ، فجمع بالهاء والنون ، لأن المراد من الكلام ، واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، وذلك جمع ، وأنث كنايتهن) (١).
وعند القرطبي : (قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ) علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) وقد مضى في غير موضع ، ثم نهى عن السجود لهما ، لأنهما وإن كانا خلقين فليس ذلك لفضيلة لهما في أنفسهما فيستحقان بها العبادة مع الله ، لأن خالقهما هو الله ولو شاء لأعدمهما أو طمس نورهما : (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) وصورهنّ وسخرهنّ ، فالكناية ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار ، وقيل : للشمس والقمر خاصة ، لأن الاثنين جمع ، وقيل : الضمير عائد على معنى الآيات (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وإنما أنث على جمع التكثير ، ولم يجر على طريق التغليب للمذكر والمؤنث لأنه فيما لا يعقل) (٢).
وفي تفسير الرازي : (ولما بيّن أن الشمس والقمر محدثان ، وهما دليلان على وجود الإله القادر قال : (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) يعني أنهما عبدان دليلان على وجود الإله ، والسجدة عبارة عن نهاية التعظيم فهي لا تليق إلا بمن كان أشرف الموجودات ، فقال : (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) لأنهما عبدان مخلوقان (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ) الخالق القادر الحكيم ، والضمير في قوله : (خَلَقَهُنَ) لليل والنهار والقمر ، لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث ، يقال للأقلام بريتها وبريتهن ، ولما قال : (وَمِنْ آياتِهِ) كن في معنى الإناث فقال : (خَلَقَهُنَ) ، وإنما قال : (كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) لأن ناسا كانوا يسجدون للشمس والقمر ، كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله فنهوا عن هذه الواسطة ، وأمروا أن لا يسجدوا إلا لله الذي خلق الأشياء) (٣).
وفي تفسير «روح المعاني» : (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على شئونه الجليلة جل شأنه تعالى : (اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) في حدوثهما وتعاقبهما وإيلاج كل منهما في الآخر (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) في استنارتهما واختلافهما في قوة النور والعظم والآثار والحركات مثلا ،
__________________
(١) جامع البيان ، للطبري ، ٢٤ / ٧٦ ، وانظر : قبس من نور القرآن ، محمد علي الصابوني ، بيروت ، مؤسسة الريان ، الطبعة الرابعة ، ١٤١٩ ه / ١٩٩٨ ، ١١ / ٢٤٨.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٥ / ٣٦٣.
(٣) التفسير الكبير ، للرازي ، ٢٧ / ٥٧٠.