العلوم الكونية والطبيعية التي يفسر بها النصوص القرآنية ، أو يكون معتمدا فيما يطرحه على مختصين في كلا الميدانين ، لكي لا يقع في الزلل والتأرجح ، وبسبب عدم الالتزام بهذا القيد فإن كثيرا ممن كتب وتحدث في قضايا الإعجاز قد تعسف في تفسيره للنص القرآني ، مما أدى للخروج عن مدلول النص ومعناه ، كما أنه يأتي بالحقيقة العلمية لكن بشكل معكوس لأنه غير مختص في هذا المجال ، مما دفع كثيرا من العلماء أن ينادوا بمنع هذا النمط من التفسير.
٦ ـ القرآن الكريم كتاب هداية ونور.
وأيضا فإن مما تجدر الإشارة إليه أن القرآن الكريم كتاب هداية ونور ، وليس كتاب علوم كونية فحسب فالحق سبحانه وتعالى جعل الهداية التامة والحق المبين بين دفّتي القرآن الكريم الذي أنزله ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن وهدة الفجور ومستنقعات المعاصي إلى اليقين والهدى ، قال تعالى : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) وقال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (٢) فالله عزوجل جعل القرآن الكريم نورا للقلوب وحياة للنفوس وضبطا للسلوك ودستورا للمجتمعات ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (٣).
ومنهج الهداية الربانية في القرآن الكريم تبرز عند ما تتناول آياته المباركة نفس الإنسان بالتربية والتهذيب والتقويم والإصلاح ، وهذه الآيات التي تتحدّث عن الوعد والوعيد والجنة والنار والدنيا والآخرة ، وتلك التي تتحدّث عن أخبار الأمم الغابرة ، التي سادت ثم بادت بعد حين من الزمن ، وأخرى تتحدث عن قصة وجود الإنسان فوق رحب هذه الأرض وكيف أنه لا محالة صائر إلى الزوال والفناء ، وتلك التي تنظم حياة الفرد وتقوم سلوكه وتضبط معاملاته بضوابط الشرع وأحكامه البينات ... ومنها ما فيه حديث عن ارتباط الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم والأسس التي ينبغي أن تسير وفقها
__________________
(١) سورة إبراهيم ، الآية : ١.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٩.
(٣) سورة الأنفال ، الآية : ٢٤.