بل من الذين أصدروا فتوى بجواز تفسير نصوص القرآن بمستجدات العصر وما يتمخض عنه من اكتشافات وابتكارات ، وإذا ما رجعنا إلى أفكار الشيخ محمد عبده فلسوف نجد المنهج العلمي التطبيقي الذي سلكه في تحليل آيات القرآن واضحا في تفسيره لجزء «عم» وقد طبع في كتاب منهجي لطلاب المدارس في المراحل المتوسطة ، ومع غزارة علمه ومكانته العلمية المرموقة إلا أنه لم يترك خلفه سوى تفسير جزء عم ، وتفسير واسع لسورة العصر ، وبعض المقالات الإسلامية ، ونحن إذ نعرض طرفا من تفسيره في جزء عم ، فإننا نجد التجاوز الواضح ، بل المغالاة وهو يفسر بعض الآيات الكريمة بما استجد في عصره من علوم ومعارف.
فها هو ذا يفسر قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (١) فيقول : (أما تسجير البحار فهو أن يفجر الزلزال ما بينها حتى تختلط وتعود بحرا واحدا ، وهو بمعنى الملء فإن كل واحد منها يمتلئ حتى يفيض ويختلط بالآخر ، وتسجير البحار على هذا المعنى لازم لما سبقه من تقطع أوصال الأرض ، وانفصال الجبال ويدل على رجحان هذا التأويل ظاهر قوله تعالى في سورة الانفطار (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (٢) وقد يكون تسجيرها إضرامها ، فإن ما في بطن الأرض من النار إذ ذاك يظهر بتشققها وتمزق طبقاتها العليا ، أما الماء فيذهب عند ذلك بخارا ، ولا يبقى في البحار إلا النار) (٣).
وفي تفسير قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (٤) يقول : (انشقاق السماء ... هو فساد تركيبها واختلال نظامها عند ما يريد الله خراب هذا العالم الذي نحن فيه ، وهو يكون بحادثة من الحوادث التي قد ينجر إليها سير العلم ، كأن يمر كوكب في سيره بالقرب من الآخر فيتجاذبا فيتصادما ، فيضطرب نظام الشمس بأسره ، ويحدث من ذلك غمام وأي غمام! يظهر في مواضع متفرقة من الجوّ والفضاء الواسع ، فتكون السماء قد تشققت بالغمام واختل نظامها حال ظهوره) (٥).
(وقد انتقده بعض العلماء في هذا التفسير لخراب العالم ، لأن الكون أعظم من أن يختل نظامه بمجرد ضرب كوكب في آخر من المجموعة الشمسية ، فما أكثر
__________________
(١) سورة التكوير ، الآية : ٦.
(٢) سورة الانفطار ، الآية : ٣.
(٣) تفسير جزء عمّ ، محمد عبده ، بيروت ، دار الهلال ، ١٩٨٥ ، ص ٣٠.
(٤) سورة الانشقاق ، الآية : ١.
(٥) تفسير جزء عمّ ، محمد عبده ، ص ٣٥.