الوجه يعتبر من أهم وأدق أوجه إعجاز القرآن ، لأن الروعة التي تلحق قلوب سامعيه والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته ، هي أساس الإعجاز التي قامت وستبقى قائمة في القرآن إلى يوم الدين.
ولقد أورد المصنفون في علوم القرآن أقوالا لعلماء هذه الأمة في إعجاز القرآن ، لا مجال لسردها وإنما نكتفي بما قد أورده ونقله السيوطي في الإتقان عن علماء الأمة يقول : (... اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلها حكمة وصواب ، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره ، فقال قوم : هو الإيجاز مع البلاغة ، وقال آخرون : هو البيان والفصاحة ، وقال آخرون : هو الرصف والنظم ، وقال آخرون : هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر ، مع كون حروفه في كلامهم ، ومعانيه في خطابهم ، وألفاظه من جنس كلماتهم ، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم ، وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم ، حتى إن من اقتصر على معانيه وغيّر حروفه أذهب رونقه ، ومن اقتصر على حروفه وغيّر معانيه أبطل فائدته ، فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه ، وقال آخرون : هو كون قارئه لا يكل ، وسامعه لا يمل ، وإن تكررت عليه تلاوته وقال آخرون : هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية ، وقال آخرون هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع ، وقال آخرون هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشقّ حصرها) (١).
الرأي المختار في تحديد أوجه إعجاز القرآن
يتبيّن من خلال ما عرض من أقوال العلماء في أوجه إعجاز القرآن ، أن سبب اختلافهم في تحديد أوجه الإعجاز ، هو عدم وجود ضابط أو تعريف لمعنى الوجه في القرآن ، ومرد ذلك إلى أن القرآن حمّال لأوجه كثيرة ، وأن هذه الأوجه منها ما هو ظاهر للعيان في كل عصر من العصور كأسلوب البيان في القرآن ، ومنها ما قد يكتشفه ويقع عليه الناس مع مرور الزمن ، وتعاقب الأجيال كالإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، ثم إن التباين في صفاء النفس ، وارتقائها في مدارج الكمال ، ومن ثم تفاعلها مع كلام الله والعيش في ظلال القرآن ، والكشف عن وجوهه وأسراره ، يعتبر من أهم الدوافع التي تجعل صاحبها يحظى بالتعرف على وجوه جديدة في كتاب الله.
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن ، للسيوطي ، ٢ / ٣٢٢.