للحساب فردا فردا ، وجاء ربك والملك صفا صفا ، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا ، فجيء بهم عراة الأبدان ، خشّعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنّم ، يسمعون زفيرها ، ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذلّ ، فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر ، يساقون سوقا.
فالسماوات مطويّات بيمينه كطيّ السجلّ للكتب ، والعباد على الصّراط وجلت قلوبهم ، يظنّون أنهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلّمون ، ولا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
يا لها من ساعة ، ما أشجى مواقعها من القلوب ، حين ميز بين الفريقين : فريق في الجنّة ، وفريق في السّعير! من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون» (١).
وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية ، مخاطبة للناس عامّة (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) أي تبقى وتتحيّر وتتغافل (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) قال : كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) قال : يعني ذاهلة عقولهم من الخوف والفزع ، متحيّرين (وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ). قال قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي يخاصم (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) قال : المريد : الخبيث (٢).
__________________
(١) الأمالي : ج ٢ ، ص ٢٦٥.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٨.