فساق غنمه ، فخرج يريد مصر ، فلمّا صار في مفازة ومعه أهله ، أصابهم برد شديد وريح وظلمة ، وجهنّم الليل ، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت ، كما قال الله : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)(١) ـ قال أبو جعفر عليهالسلام : «لمّا قضى موسى الأجل ، وسار بأهله نحو بيت المقدس ، أخطأ الطريق ليلا ، فرأى نارا ، فقال لأهله : امكثوا ، إنّي آنست نارا» (٢) ـ.
فأقبل نحو النار يقتبس ، فإذا شجرة ونار تلتهب عليها ، فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه ، ففزع منها وعدا ، ورجعت النار إلى الشجرة ، فالتفت إليها وقد رجعت إلى مكانها ، فرجع الثانية ليقتبس ، فأهوت إليه ، فعدا وتركها ، ثمّ التفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة ، فرجع إليها ثالثة ، فأهوت إليه ، فعدا ولم يعقّب ، أي لم يرجع ، فناداه الله : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ، قال موسى : فما الدليل على ذلك؟ قال الله : ما في يمينك يا موسى؟ قال : هي عصاي. قال : (أَلْقِها يا مُوسى)(٣) فألقاها ، فصارت حيّة تسعى ، ففزع منها موسى عليهالسلام ، وعدا ، فناداه الله : خذها (وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ). أي من غير علّة ، وذلك أن موسى عليهالسلام كان شديد السّمرة ، فأخرج يده من جيبه ، فأضاءت له الدنيا ، فقال الله عزوجل : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).
فقال موسى ، كما حكى الله عزوجل : (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً
__________________
(١) قد مر ذكر هذه القصة في تفسير الآيات (٣ و ٤) من هذه السورة.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٩١.
(٣) طه : ١٩.