أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا ... (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أي : حصونا وقصورا مشيدة ... وقيل : مأخذا للماء تحت الأرض ... (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) كأنكم تخلدون فيها ، فلا تموتون. فإن هذه الأبنية بناء من يطمع في الخلود.
قال الزجاج : معناه تتخذون مباني للخلود ، لا تتفكرون في الموت. (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) البطش : الأخذ باليد أي : إذا بطشتم بأحد تريدون إنزال عقوبة به ، عاقبتموه عقوبة من يريد التجبر بارتكاب العظائم ، كما قال : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ).
وقيل : معناه وإذا عاقبتم قتلتم ، فمعنى الجبار : القتال على الغضب بغير حق. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ـ مر تفسيره في الآية رقم (١٠٨) ـ (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أي : أعطاكم ما تعلمون من الخير. والإمداد : إتباع الثاني ما قبله شيئا بعد شيء على انتظام. وهؤلاء أمدوا بأنواع من النعم ، وهو قوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فأعطاهم رزقهم على إدرار (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن عصيتموني (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يريد يوم القيامة. وصفه بالعظم لما فيه من الأهوال العظيمة. (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أي : أنهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا ... والمعنى : إنا لا نقبل ما تدعونا إليه على كل حال ، أو عظت أم سكت أي : حصول الوعظ منك وارتفاعه مستويان عندنا.
ثم قالوا (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) أي : ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين الذين ادعوا النبوة ، ولم يكونوا أنبياء ، وأنت مثلهم. ومن قرأ (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) بضم الخاء فالمعنى : ما هذا الذي نحن عليه من تشييد الأبنية ، واتخاذ المصانع ، والبطش الشديد ، إلا عادة الأولين من قبلنا. وقيل : معناه ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين ، في أنهم كانوا يحيون ويموتون ،