٥ ـ وبالنسبة لزعم هذا الفريق بأن علوم العرب سلبت ، يشير الدكتور مصطفى مسلم إلى لفتة هامة هاهنا فيقول : (وإن كان القرآن غير معجز بشيء ذاتي فيه ، وإنما لم يعارضه العرب بصرف دواعيهم عن المعارضة ، أو بسلب العلوم منهم ، فهل أحسّ النظّام والمرتضى بما وصفوا العرب به من صرف وسلب؟ فلما ذا لم يأتيا بمعارضة للقرآن ، وكان النظّام من الأذكياء والماهرين كما يشهد له تلميذه الجاحظ ، والمرتضى مشهود له أنه كان من فرسان البلاغة والبيان) (١). ويذيّل هذا المبحث باستدراكين هامين حول نقد مذهب الصرفة ، الأول للباقلاني والثاني للجرجاني ، يقول الباقلاني : (ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة ، أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة ، لم يكن الكلام معجزا وإنما يكون المنع معجزا ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه) (٢).
ويقول الجرجاني : (... ثم إن هذه الشناعات التي تقدّم ذكرها ، تلزم أصحاب الصرفة أيضا وذلك أنه لو لم يكن عجزهم عن معارضة القرآن ، وعن أن يأتوا بمثله لأنه معجز في نفسه ، لكان لأن أدخل عليهم العجز عنه ، وصرفت هممهم وخواطرهم عن تأليف كلام مثله ، وكان حالهم على الجملة حال من أعدم العلم بشيء قد كان يعلمه ، وحيل بينه وبين أمر قد كان يتسع له ، لكان ينبغي ألا يتعاظمهم ، ولا يكون منهم ما يدل على إكبارهم أمره وتعجبهم منه ، وعلى أنه قد بهرهم ، وعظم كل العظم عندهم ، ولكان التعجب للذي دخل من العجز عليهم ، ولما رأوه من تغير حالهم ، ومن أن حيل بينهم وبين شيء قد كان عليهم سهلا ، وأن سد دونه باب كان لهم مفتوحا ، أرأيت لو أن نبيا قال لقومه : إن آيتي أن أضع يدي على رأسي ، وكان الأمر كما قال ، ممّ يكون تعجب القوم؟ أمن وضعه يده على رأسه ، أم من عجزهم أن يضعوا أيديهم على رءوسهم) (٣).
وفي خاتمة المبحث يتضح أن الذي ذهب إلى القول بالصرفة ، إنما هو إنسان ماكر مخادع ، جاف في تذوقه لمعاني القرآن العذبة ، ذلك لأن من قرأ القرآن بحسه وروحه ، وعقله وفكره وجد نفسه يعيش في روضة من رياض الجنة ، ويشعر أن كلام الحق يثير في
__________________
(١) مباحث في إعجاز القرآن ، مصطفى مسلم ، ص : ٦٠ ، وانظر : مباحث في علوم القرآن ، منّاع القطان ، الرياض ، مكتبة المعارف الطبعة الأولى ، ١٤١٣ ه / ١٩٩٢ ، ص : ٢٦٩.
(٢) إعجاز القرآن ، للباقلاني ، ص : ٥٨.
(٣) دلائل الإعجاز ، للجرجاني ، ص : ٣٧٣.