من هذا كله ، فإن العلم يأتي اليوم ليثبت وقوعها ، وذلك عند ما وطأ رواد الفضاء القمر ودرسوا خصائصه وظروفه بكل أنواعها ، وكان مما انكشف لهم معجزة انشقاق القمر وسيأتي الحديث عن هذه القضية خلال عرضنا للصور التطبيقية حول الإعجاز العلمي في مبحث القمر إن شاء الله تعالى.
وبعد هذا العرض الموجز لطائفة من معجزات رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحسية ، هناك معجزات أخرى كثيرة وردت في الصحاح يمكن الرجوع إليها والاستزادة والاستفادة من أخبارها ، ومن أبرزها معجزة الإسراء والمعراج وغيرها ... ويلفت الانتباه هنا إلى قضية لها بالغ الأهمية في هذا الصدد ألا وهي أن المعجزات التي ذكرنا ، منها ما قد جرت مجرى إثبات وإظهار صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في دعواه ودون معارضة أو تحد ، ومنها ما قد تحدى الله به القوم ، وفي كلتا الحالتين دليل ساطع على أن الله تبارك وتعالى قد أجرى على يد رسوله الكريم صلىاللهعليهوسلم معجزات كانت خارقة لنواميس الكون وما اعتاده البشر في حياتهم ، وفي نفس الوقت هي دليل على أن ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم هو من عند الله تبارك وتعالى ... وفي هذا يقول ابن حجر : (... وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وانشقاق القمر ونطق الجماد ، فمنه ما وقع التحدي به ، ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلىاللهعليهوسلم من خوارق العادات شيء كثير) (١).
ثم إن هذه المعجزات الحسية التي وردت إن وقع بها التحدي للقوم الذين كذبوا النبي كانت معجزة ، لأنه يشترط في المعجزة وكما مرّ معنا التحدي ، وإن لم يقع بها التحدي ، كتكثير الطعام ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلىاللهعليهوسلم ، فهذه تدخل في نطاق دلائل وعلامات النبوة ، لأنه لا تحدي أي هي مما يعجز القوم عن الإتيان به ، فمن من البشر ينبع الماء من بين أصابعه عند ما يشاء؟
وهذا ما أوضحه ابن حجر في مستهل حديثه عن علامات النبوة فقال : (العلامات جمع علامة وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة والفرق بينهما أن المعجزة أخص ولأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي من يكذبه بأن
__________________
(١) المصدر نفسه ، ٧ / ٤٧٢.