بالله بأن الله ختم عليه فلا يعقل عن الله ، وعلى سمعه فلا يسمع مواعظ الله ، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله ، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض) (١).
ولو فتشنا عن معنى (لُجِّيٍ) في المعاجم ، فسنجد : (لجة البحر حيث لا يدرك قعره ، ولج الوادي جانبه ، ولج البحر عرضه ، ولج البحر الماء الكثير الذي لا يرى طرفاه ... ولجة الأمر ، معظمه ، ولجة الماء بالضم معظمه ، وخص بعضهم به معظم البحر ، وكذلك لجة الظلام ، وجمعه لج ولجج ولجاج) (٢).
وفي «العين» : (ولجة البحر حيث لا ترى أرض ولا جبل ، ولجج القوم ، دخلوا في لجة ، وبحر لجي أي واسع اللجة) (٣).
سبحان الله ، ما هذا الوصف الدقيق لأمواج البحار وطبائعها ، والذي يتأمل الآية الكريمة ، ويدقق بأقوال المفسرين ثم يربط ذلك في الزمن الذي نزلت فيه هذه الآية ، وبالعصر الذي قال فيه المفسرون هذا الكلام ، يقف مشدوها مستغربا من ذلك ، لأنهم يتحدثون عن حقائق العلم التي وصل إليها إنسان القرن العشرين ، وما يدريهم هم بهذه الأمواج السطحية والداخلية والظلمات الدامسة في أعماق البحر ، هل سبروا أغوار البحار ورأوها ، هل التقطوا صورا فضائية وشاهدوها؟ نعم إنهم شاهدوها بمنظار العقيدة واليقين ، ورأوها من خلال مرآة القرآن المعجز الكريم.
بوسعنا الآن أن نستنبط من الآية الكريمة ثلاث حقائق وهي :
١ ـ هناك أمواج داخلية في أعماق البحر تحت الأمواج السطحية.
٢ ـ وهذه الأمواج غير موجودة في أيّ بحر ، وإنما يجب أن يكون عميقا. (لُجِّيٍ).
٣ ـ المناخ الذي يحيط في تلك المنطقة ملبد بالسحب والغيوم.
تلك هي التصورات القرآنية حول قضيتنا هذه ، وقبل أن نثبت الحقائق العلمية التي وصل إليها البحاث ، نشير إلى لفتة لطيفة في هذا الصدد ، وهي قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ) ففي الآية إعجاز لأنها تتحدث عن ظلمات في أعماق البحر ، ولقد تكررت مرتين لتوكيد هذه الظلمات ، ولم يقل الحق : ظلام ، إنما قال : (كظُلُماتٍ) وهذه
__________________
(١) جامع البيان ، للطبري ، ١٨ / ١١٥.
(٢) لسان العرب ، لابن منظور ، ٢ / ٣٥٥.
(٣) العين ، للفراهيدي ، ٦ / ١٩.