وإنه لمن بيتها شفاها ووجاها.
وولي ما طلب من تداريس عدة بحلب ، واجتذب إليه قلب الصغير والأسن وخالط الناس وهو الحسين بخلق حسن ، وغني بصحبة الناصري محمد ابن السلطان الغوري إذ كان بحلب في مستلذاته ومسرات لياليه وليالي مسراته.
وحج وجاور وبذل في المجاورة كثير المال في قرى الخلان على أوفق الآمال. ثم عاد إلى حلب والوافدون من الحجاز وغيره إلى الباب العالي ، ومن الباب العالي إلى الحجاز وغيره يفدون عليه وينزلون عنده بالشرفية فيتلقاهم بالقرى والموائد الحسنة ويستفيد عند عشرتهم ما يستفيد سنة بعد سنة ، حتى صارت كأنها مكان سبيل لا مدرسة فقيه نبيل ، ثم اعتزل عنها وعن سكنى ما كان يسكنه داخلها ، فاشترى وراءها البيت المنسوب إلى بعض القارئين القاطنين بدمشق وغيره ، واستحكر من علو سوق الطواقية وما يليه الجاري في وقف الجامع الكبير شيئا ، فعمر فوقه قصرا منيفا مشرفة شبابيكه على صحن الجامع المذكور. وكان قد سألني في شيء من شعري يكتب به فقلت مضمنا :
اصعد إلى ربعنا العالي ونل فرحا |
|
وانظر إلى الجامع الأسنى وفز بدعا |
وقرّ عينا بكلتا الحالتين وقل |
|
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا |
ثم تأهل ببنت التقويّ أبي بكر بن قرموط أحد تلامذة جده ففاز معها في بيت أبيها بعيشة العمرين ، فما مضى له معها القليل إلا وأحرقه بوفاتها بالطاعون الغليل ، وكذا بوفاة بنيه إلا الفاضل جلال الدين المكتوب إليّ على يده من شعر أبيه :
يا أيها المولى الذي لم يزل |
|
له بقلبي منزل لا يرام |
وماجد طابت أصول له |
|
وعالم قد فاق بين الأنام |
وصاحب الفضل الذي فضله |
|
واف جليل مثل سجع الحمام |
جلالنا سار لإحسانكم |
|
يروم درسا نافعا يا إمام |
سررت لما سار يبغي العلا |
|
وقلت يا بشراي هذا غلام |
فوجّه الهمة يا سيدي |
|
نحو جلال الدين نجل الكرام |
لعله يبلغ شأو العلا |
|
وشيخه يبلغ منه المرام * |
__________________
(*) البيت ملفق من بيتين هما :