أقول : إني لما وقفت على ما قاله المحبي وصاحب الريحانة في حقه وتأملت ما أورداه له من الشعر العذب الذي يأخذ بمجامع القلب ، ورأيته قد اشتمل على ما فيه من حسن السبك وسلاسة النظم على روائع الحكم وبدائع الأمثال ، وسلك فيه مسلك الأوائل بحيث تخاله شعر أبي تمام أو البحتري أو أبي الطيب أو أبي العلاء ، عزمت على جمع متفرق شعره والبحث عن ديوانه ، وذلك من مدة تزيد عن عشر سنوات ، فأداني البحث إلى الحصول على مجموعة للفاضل الأديب الشيخ محمد العرضي ، فإذا فيها ترجمته المتقدمة وشيء من شعره ، فزادني ذلك حبا فيه وشغفا في شعره ، ووجدت في أول هذا المجموع ثلاثين ورقة من شعره. ثم رأيت ابن معصوم ذكره في سلافته وأورد شيئا من شعره فنقلت ما فيه. ثم إن صديقي الشيخ عبد القادر الهلالي شيخ الزاوية الهلالية في محلة الجلّوم عثر في مكتبته على أربع عشرة ورقة من ديوانه لكنها بالية ممزقة ، فأعطانيها ووعد بالعثور على غيرها فيها أول الديوان. وكنت عثرت على ديوانه في بعض البيوت ، فاجتهدت إلى أن ابتعته ممن هو عنده بأضعاف ثمنه ، وهو محرر بخط عبد القادر بن أحمد الدهان الحلبي سنة ١٣١٥ ، وقال في أوله إنه نسخة عن نسخة عتيقة أوراقها بالية وبعض سطورها ممحوة ، ولم أعرف هذا الناسخ إلى الآن ، وعند مقابلته على ما تجمع لدي من شعره تبين أن بعض نظمه لا وجود له في هذا الديوان.
ثم رأيت في آداب اللغة العربية لجرجي زيدان في الجزء الثالث منه (ص ٢٧٦) ذكر المترجم ، وقال : إن ديوانه في مكتبة برلين وهو مرتب على المواضيع ، فأرسلت لاستنساخه أو أخذه بالمصور الشمسي (الفوتوغراف) ، وقد عزمت بعد حضوره أن أضيف إليه ما ليس فيه وأسعى بطبعه إن شاء الله تعالى ، فإن مثل هذا الشعر العالي لا ينبغي أن يبقى على طرف الهجران وأن يهمل في زوايا النسيان.
٩٥٥ ـ الشيخ أحمد بن محمد السعدي المتوفى سنة ١٠٣٤
الشيخ أحمد بن محمد السعدي الحلبي ، الشهير بابن خليفة الزكي ، أخو الشيخ وفا خليفة بني سعد الدين الجباويين بحلب.
آلت إليه الخلافة بعد موت أخيه المذكور ، فلازم حلقة الذكر بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بحلب وصبر على مرارة الفاقة وتحمل أحوال المريدين ، ولازم زاويته لا يخرج