هذا ومع ديانته كانت تغلب عليه كثرة القهقهة في المجلس الواحد ، وله الخلاعة الزائدة مع جواريه. قيل : وكان في الأصل دباغا فمنّ عليه ذو الفضل بالفضل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ا ه.
وترجمه في العقد المنظوم بما خلاصته أنه تعانى صنعة الدباغة في بلدة أماسية حتى أناف عن عشرين ، فاتفق أنه جاء إليه مفت من علماء ذلك العصر فأضافه أعيان البلدة في بعض الحدائق ، فلما باشروا أمر الطعام طلبوا من يجمع لهم الحطب والمترجم قائم على زي الدباغين الجهلة ، فقال المفتي مشيرا إليه : ليذهب إليه هذا الجاهل ، ففهم ازدراءه لشأنه وعلم أنه ليس ذلك إلا من شائبة الجهل ، فذهب إلى جمع الحطب وفي نفسه تأثر عظيم من ازدرائه وتحقيره ، فلما بعد عنهم نزل على ماء هنالك وتوضأ وصلى وتضرع إلى الله تعالى بالخلاص من ربقة الجهل واللحوق بمعاشر الفضل ، ثم عاد إلى المجلس فقبل يد المفتي وقال : أريد ترك الصناعة والدخول في طلب العلم ، فقال المفتي : أبعد هذا تطلب العلم وهو لا يحصل إلى بجهد جهيد وعهد مديد ، فتضرع إليه وأبرم عليه في القبول ، فقبله المفتي ، فلما أصبح باع ما في حانوته واشترى مصحفا وذهب إلى باب المفتي وبدأ في القراءة وقام في الخدمة إلى أن حصل مباني العلوم ، وتأهل فصار معيد الدرس في مدرسة السلطان مراد بمدينة بروسة ، ثم مدرسة بايزيد باشا فيها أيضا ، ثم مدرسة آغا الكبير بأماسية ، ثم مدرسة القاضي ، ثم مدرسة السلطان محمد بمرزيغون ، ثم مدرسة أمير الأمراء خسرو بمدينة آمد ، ثم مدرسة خسرو باشا بمدينة حلب ، وهو أول مدرس بها ، وفوض إليه الفتوى بهذه الديار. ثم نقل إلى مدرسة سليمان باشا بقصبة أزنيق ، ثم نصب مفتيا بديار ربيعة ، ثم تقاعد عن المنصب وعين له كل يوم ستون درهما. وتوفي رحمهالله سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة.
وكان عالما فاضلا مجتهدا في اقتناء العلوم آية في الحفظ والإحاطة له اليد الطولى في الفقه والتفسير ، وكتب حاشية على شرح التفتازاني في الصرف ا ه.
٩٠٣ ـ عبد الرحمن البتروني المتوفى سنة ٩٧٧
عبد الرحمن ابن الشيخ الفقيه المفتي نجم الدين محمد ابن الشيخ المقري عبد السلام