بعض الثقات أني رأيته يوما في باب الوزير المزبور وعليه أثر غم شديد ، فسألته عنه فتأوه ثم قال : قد بذلت لهذا الوزير ثلاثين ألف دينار وقد دخلت عليه اليوم وما نظر إلي نظر القبول والاختيار.
٩٠٠ ـ خليل بن أحمد الشيخ غرس الدين المتوفى سنة ٩٧١
خليل بن أحمد الشيخ غرس الدين ابن الشيخ شهاب الدين ، الحمصي الأصل الحلبي المولد ، ثم القسطنطيني الشافعي الشهير بابن النقيب.
كان والده نقيب الفقراء عند جدي الجمال الحنبلي ثم عند عمي الكمال الشافعي ، إذ كانت مشيخة الشيوخ بيدهما ، ثم كان في خدمة البدر حسن السيوفي ، فلما ولد له الشيخ غرس الدين ونشأ قرأ عليه بطلب أبيه شيئا من مقدمات العربية ، فلم ينجح بل صار إلى وادي اللهو والبطالة مدة ذات إطالة ، إلى أن منّ الله تعالى عليه بالتوفيق ، فاستقبح ما كان عليه مما صار إليه ، فتوجه إلى القاهرة ماشيا من غير زاد ، فاشتغل بها في الحساب والميقات والهيئة والوفق والموسيقى والطب على الشهاب أحمد بن عبد الغفار وعلى الهنيدي المصري وغيرهما.
ثم عاد إلى حلب فقرأ بها في شيء من العلوم على الشمس السفيري ، وفي «شرح الشمسية» للقطب على المحيوي ابن سعيد ، وصار يورد عليه شيئا من الحاشية الشريفية المرة بعد المرة ويقول له : الأمر هكذا ، فلا يقول له الشيخ في الجواب أكثر من نعم ، فقلب الشيخ غرس الدين العبارة وأوردها عليه مقلوبة فقال له : هل الأمر هكذا ، فقال أيضا : نعم ، ثم لاح له أن دس عليه هذا اللفظ المقلوب لما ظهر من بعض الحاضرين من التبسم من جهة جوابه فطرده.
ثم إن الشيخ غرس الدين غرس شجرة الإفادة بشرقية جامع حلب الأعظم فأشغل الطلبة فيها في الحساب والميقات وغيرهما مدة مديدة ، ثم توجه إلى الباب العالي فاحتظى به بعض كتاب الديوان السلطاني فأثرى منه ، فتسرى واستولد واغتنى واقتنى الكتب النفيسة على كثرة فيها ، وكذا الآلات الميقاتية الحسنة ، وأذهب في الكيميا من المال ما شاء الله تعالى.