ولم أقف على تاريخ وفاته ويظهر أنها في أواسط هذا القرن.
٩٧١ ـ فتح الله المعروف بابن النحاس الشاعر المشهور المتوفى سنة ١٠٥٢
فتح الله المعروف بابن النحاس ، الحلبي الشاعر المشهور ، فرد وقته في رقة النظم والنثر وانسجام الألفاظ. لم يكن أحد يوازيه في أسلوبه أو يوازنه في مقاصده. وكثير من أدباء العصر يناضل في المفاضلة بينه وبين الأمير منجك ويدعي أرجحيته مطلقا. وعندي أن أرجحيته إنما هي من جهة حسن تراكيبه وحلاوة تعبيراته. أما أرجحية الأمير فمن جهة معانيه المبتكرة أو المفرغة في قالب الإجادة.
وكان فتح الله في حداثة سنه من أحسن الناس منظرا وأبهاهم صباحة ورشاقة. وكان أبناء الغرام يومئذ يفدونه وهو يعرض عنهم ويجافيهم ، حتى تبدلت محاسنه فعطف عليهم يستمد ودادهم. وكانت النفوس قد أنفت منه فرمته في زاوية الهجران ، وفي ذلك يقول وقد رأى إعراضا من صديق له كان يألفه :
إني أنا الفتح سمعتم به |
|
ما همه حرب ولا صلح |
من عدّ لي ذنبا قلاني به |
|
فإنما ذنبي له النصح |
قولوا له يغلق أبوابه |
|
فإنما حاربه الفتح |
ثم اندرج في مقولة الكيف وتزيّا بزي الزهّاد ، واتخذ من الشعر صدارة حدادا على وفاة حسنه ووفاة جماله. وما زال يرثي أيام حسنه وينعي ما يتعاطاه من الكيف. وله في ذلك محاسن ونوادر ، منها قوله في قصيدته التي أولها :
من يدخل الأفيون بيت لهاته |
|
فليلق بين يديه نقد حياته |
لو يابثين رأيت صبك قبل ما |
|
الأفيون أنحله وحل بذاته |
في مثل عمر البدر يرتع في رياض |
|
الزهر مثل الظبي في لفتاته |
من فوق خد الدهر يسحب ذيله |
|
منّاه أنى شاء وهو مواته |
وتراه إن عبث النسيم بقده |
|
ينقدّ سرو الروض في حركاته |
وإذا مشى تيها على عشاقه |
|
تتفطر الآجال في خطراته |
يرنو فيفعل ما يشاء كأنما |
|
ملك المنية صار من لحظاته |