فحلفت له إني لم أفعلها إلا هذه المرة ، فتركني حينئذ ، فلما سكن روعي قبلت يده وقلت له : بحياتك من أين علمت أني أقرأ بالمصحف؟ فقال : سمعت صوتك يأتي من سقف المحل فعلمت أن في يدك شيئا يمنع مجيء الصوت مواجهة.
ومرة أخرى كنت أذهب معه إلى دور بعض أحبابه ، وكان في الطريق بالوعة إذا وصلنا إليها أخبره بها ، فيتخطاها ، فبعد مدة سترت تلك البالوعة بالطوابق ، فلما مررت به من ذلك الطريق بعد مدة وصل إلى موضعها وتوقف ثم تخطى ، قلت له : لم تخطيت؟ قال : أليس هنا بالوعة؟ قلت : بلى ، كانت ولكنها من مدة زالت.
قلت : ومثل ذلك ما حكي عن أبي العلاء المعري أنه كان سافر مع رفيق له إلى جهة ، فمرا في طريقهما بشجرة ، فلما قربا منها قال له رفيقه : إياك والشجرة أمامك ، فانحنى حتى تجاوزها ، فلما رجعا من ذلك الطريق أيضا انحنى أبو العلاء لما قرب من مكان الشجرة ورفيقه ينظر إليه. ويحكى عن حذق أبي العلاء المذكور أنه أنشده المنازي أبياتا بالشام ، فقال له : أنت أشعر من بالشام ، ثم اتفق اجتماعهما بالعراق بعد سبع سنين فأنشده المنازي أبياتا أخر ، فقال له : ومن بالعراق. ومثله ما حكي عن داود الحكيم الأنطاكي صاحب «التذكرة» وغيرها أن رجلا دخل عليه وقال له : أي شيء يقوم مقام اللحم؟ فقال : البيض ، فغاب عنه سنة وجاءه فرآه منهمكا في تركيب معجون وهو يجمع أجزاءه ، فقال له : بأي شيء يقلى؟ فقال : بالسمن. وحكايات حذقه كثيرة ذكرها من ترجمه.
ثم إنه أعني صاحب الترجمة في آخر عمره ترك الإقراء وخرج من ذلك المسجد واشترى له دارا بالقرب من محلة الجلّوم الكبرى.
وكانت وفاته بحلب في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ، ودفن بمقبرة العبارة خارج باب الفرج ، ولم يعقب غير بنت ، وخلف مالا كثيرا رحمهالله تعالى. ا ه.
١٠٣٨ ـ طه بن مصطفى الشهير بطه زاده المتوفى سنة ١١٣٧
طه بن مصطفى الحلبي الحنفي الشهير بابن طه. ترجمه الكمال الغزي في كتابه المسمى «بالورد الأنسي في ترجمة العارف بالله النابلسي» (١) فقال :
__________________
(١) اطلعت على هذا الكتاب في رحلتي إلى دمشق سنة ١٣٤٠ عند بعض أحفاد الشيخ عبد الغني النابلسي القاطنين في صالحية دمشق.