من محل ضيافته أشغل أباه بالكلام إلى أن وقع التمكن من قتله فقتله ، فخرج ابنه الشيخ عبد الرحيم وأتى حلب وعلى رأسه تاج الصوفية وتعاطى صنعة كيّ الأقمشة على باب الجامع الكبير بحلب من جهة الغرب ، ثم صار له أتباع ومريدون ، وانعقدت له المحافل العظام يوم كل جمعة في شرقية الجامع المذكور باجتماع أتباعه ومريديه بها للذكر والسماع ، فإنه كان يميل إلى السماع والناي وتنويع الذكر على أنحاء مطربة ، وكان يحضر حلقته إذ ذاك بعض أرباب الإنشادات الحسنة ولكن من غير ناي ، وبقي الأمر بعد توفيه على ما كان فيه. وكان من شأنه أن لا ينام على جنبه ولكن محتبيا. وبلغني أنه نظم مثنويا من قوله :
من حديث قند * مصر ميكنم |
|
شرح چاه رند مصر ميكنم |
أز فراق يا رمينا لم بسي |
|
أشك چون باران ميبارم يسي |
وقد عربناه فقلنا :
أنا ناي عن قند مصر حديثي |
|
وعن البئر بئر صاحب مصر |
من فراق الحبيب أبدي أنيني |
|
جاعلا دمع مقلتي الغيث يجري |
٨٦٩ ـ محمد بن يحيى الحنبلي التادفي المتوفى سنة ٩٦٣
محمد بن يحيى بن يوسف قاضي القضاة أبو البركات جلال الدين الربعي التادفي الحلبي الحنبلي أولا الحنفي آخرا ، ابن عمي ، سبط القاضي شرف الدين يحيى كاتب خزانة المقر الأشرف قايتباي الحمزاوي.
ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثمانماية ، وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه وعمره ست عشرة سنة ، إلى أن انقضت الدولة الجركسية ، وكان توقيعه : (الحمد لله على الله توكلنا). ولم يزل يتولى المناصب السنية فيها وفي الدولة العثمانية ، فكان مما تولاه قديما عمالة الجامع الكبير بحلب ومتوليه إذ ذاك كافلها خير بك وقضاء الباب وأعمالها.
ولما كانت الدولة العثمانية ولي بحماة تولية دار الشفا والجامع النوري والمدرسة المظفرية ، ثم بدمشق نظر الجامع الأموي عن والده ، ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين بها وبسائر أعمالها ، واستمرا بيده إلى آخر سنة ثلاثين وتسعمائة.
__________________
(*) القند : عصارة قصب السكر.