وصار لزاويته بعض خيرات وصدقات حتى انتظم أمرها. وكان يقيم حلقة الذكر ليلة الجمعة ، فيقرأ مع الجماعة سورة تبارك على أسلوب لطيف تستحليه الناس أرباب الأذواق السليمة ، ثم يذكر مع القوم على أسلوب حسن مع الرضى بالقناعة.
ثم إنه لما مات شيخه في مصر توجه إلى مصر ليأخذ البيعة على الشيخ الجديد ، فقدر الله أن الشيخ الجديد مات وهو في خلال الطريق ، وتولى غيره ، وحضر صاحب الترجمة فعظموه وأجلّوه وأعطوه إجازة أيضا ، فرجع عزيزا جليلا وأقام بحلب إلى أن توفي.
وكانت وفاته في سنة ست وسبعين وألف. ا ه.
٩٩٠ ـ صالح بن نصر الله الطبيب المتوفى سنة ١٠٨١
صالح بن نصر الله ، ويعرف بابن سلّوم بفتح السين المهملة وتشديد اللام ، الحلبي ، رئيس أطباء الدولة العثمانية ونديم السلطان محمد بن إبراهيم ، سيد الأطباء والحكماء وواحد الظرفاء والندماء.
أظهر في فنون الطب كل معنى غريب ، وركبها بمقدمات حسه كل تركيب عجيب ، فأنتج استخراج الأمراض من أوكارها ، وكان كل طبيب يعجز عن إظهارها. كان للطفه إذا جس نبضا يعطيه روح الأرواح ، ويفعل لرقته في النفوس مالا تفعله الراح ، وهذا التعريف لغيري احتجته ، ففي محله أدرجته.
ولد بحلب ونشأ بها وأخذ عن أكابر شيوخها ، واشتغل بالعلوم العقلية وجد في تحصيلها ، حتى برع وغلب عليه الطب.
وكان حسن الصوت ، عارفا بالموسيقى ، صارفا أوقاته في الملاذ ومسالمة أبناء الوقت. ثم تولى مشيخة الأطباء بحلب ، ولم يزل على تلك الحالة حتى رحل إلى الروم واختلط بكبرائها واشتهر أمره بينهم ، ونما حظه حتى وصل خبره إلى السلطان ، فاستدعاه وأعجبه لطف طبعه ، فصيره رئيس الأطباء وأعطاه رتبة قضاء قسطنطينية ، وقربه وأدناه. وبلغ من الإقبال ونفوذ الكلمة مبلغا رفيعا.
وكان في حد ذاته أعجب من رؤي وسمع في لطف البداهة والنكتة والنادرة ، وله رواية