ثم لم يزل يطلب عزل نفسه عن المدرسة فلا يوافقونه حتى تركها شاغرة من غير أخذ معلوم ولا إلقاء درس أصلا.
وكان أيام الانفصال الكبير ورد حلب ووالداه حيان ، فنزل عند والده ، فشكت أمه إليه من أبيه ما يصنع بها ، فتشاجر هو وأبوه وتقاضيا ورحل عن دار والده وصار كل يسب الآخر ، فاسترضى العرضي المذكور وجماعة من العلماء الابن ، ثم أخذوه إلى والده فقبل يده وتباريا من الطرفين.
وآخر الأمر أعطي قضاء مكة ، فسافر من مصر بحرا ثم أراد أن ينقل ابنه من سفينة صغيرة إلى مركب مخافة عليه وحمله إلى المركب ، فسقط إلى البحر وغرق ، وتناول بعض الخدمة الولد فنجا ، وذلك حين توجهه عند جدة في سنة تسع وثلاثين وألف وكان عمره نحو سبعين سنة.
وبنو الكواكبي بحلب طائفة كبيرة سيأتي منهم في كتابنا هذا جماعة ، وكلهم علماء وصوفية. وأول من اشتهر منهم محمد بن إبراهيم المتوفى سنة سبع وتسعين وثمانمائة ، ذكره ابن الحنبلي في تاريخه قال : ودفن بجوار الجامع المعروف الآن بجامع الكواكبي بمحلة الجلّوم بمدينة حلب ، وعمرت عليه قبة من مال كافل حلب سيباي الجركسي ، وكانت طريقته أردبيلية. وإنما قيل له الكواكبي لأنه كان في مبدأ أمره حدادا يعمل المسامير الكواكبية ، ثم فتح الله عليه وحصلت له الشهرة الزائدة. ا ه.
٩٥٧ ـ الشيخ أبو الجود البتروني المتوفى سنة ١٠٣٩
الشيخ أبو الجود بن عبد الرحمن بن محمد ، سيأتي تمام نسبه في ترجمة ابن أخيه إبراهيم ابن أبي اليمن ، البتروني الحلبي الحنفي ، مفتي حلب وعالم ذلك القطر ومحط أهل دائرته.
وكان علامة محققا ، بارعا في المذهب والتفسير ، فارسا في البحث ، نظارا. هاجر به أبوه وبأخويه أبي اليمن ومحمد إلى حلب بإشارة الشيخ علوان الحموي ، وصار أبوهم واعظا وخطيبا بجامع حلب. وكان هو وولده أبو الجود يتعممان بالعمامة الصوفية. واشتغل أبو الجود على علماء عصره ، وولي بعد أبيه الوعظ والخطابة بالجامع ، وكان يقرأ الدروس في الرواق الشرقي. ثم ولي الإفتاء وتقاعد عن قضاء القدس ثم عن قضاء المدينة ،