فلما انقضت سنو المجاهدة القريبة من سبع سنين واستهلينا شهر شوال سنة ست وستين وألف ألقى الله تعالى في قلبي حب طلب العلم الظاهر ، فقرأت على المشايخ سنتين إلا شهرا ، وفتح الله تعالى عليّ من العلم ما فتح ، فتركت القراءة وشرعت في الإقراء فأقرأت بعض الطلبة ، وكان أكثر الطلبة يضحكون ويستهزئون علي (ويقولون : نحن لنا عشر سنين نخدم العلم ، ولم نتجرأ فيأتي بعضهم إلى مجلس درسي مستهزئا) * ، فو الله ما يقوم من ذلك المجلس إلا وقد تبدل إنكاره بالاعتقاد ، وفي ثاني ذلك اليوم يأتي ويقرأ عليّ ويقول : هذا الأمر من خوارق العادة. وبقيت على ذلك سنة. انتهى.
وكانت قراءته على جملة من العلماء الأفاضل وجلها على الشيخ أبي الوفا العرضي صاحب طريق الهدى. وكان سلوكه على الشيخ أحمد الحمصي ، فأقام المترجم خليفة بعده في المدرسة الشرفية إلى أن توجه عليه تدريس مدرسة الحلوية ، وصار يدرس بها ويقيم الأذكار والأوراد. وتوجه عليه الإفتاء بحلب ، وكان يفتي على مذهب الإمامين أبي حنيفة والشافعي.
وله من التآليف «السير والسلوك إلى ملك الملوك» (١) ، واختصر السراجية وشرحه ، وله رسالة في المنطق (٢) ، وشرح على الجزائرية في التوحيد (٣) ، وله غير ذلك من التآليف والفوائد.
وكانت وفاته سنة تسع ومائة وألف ، ودفن بين قبور الصالحين خارج باب المقام بحلب رحمهالله تعالى.
١٠١٣ ـ محمد النوري البغدادي المتوفى أول هذا القرن
محمد النوري البغدادي ، الورع الزاهد المسلّك العارف.
__________________
(*) ما بين قوسين إضافة من «سلك الدرر».
(١) عندي منه نسخة وفي المدرسة الحلوية والمولوية ، ومنه عدة نسخ في مكاتب حلب وغيرها.
(٢) عندي منها نسخة ، وشرحها الشيخ أحمد الترمانيني شرحا سماه «الكوكب المشرق في شرح رسالة المنطق» منه عدة نسخ في مكاتب حلب ، والمتن والشرح مفيدان في بابهما
(٣) منه نسخة في المكتبة الصديقية بحلب في سبعة كراريس والمنظومة ٣٥٣ بيتا.