٨٧٨ ـ عبيد الله بن محمد قاضي حلب المتوفى بعد سنة ٩٦٤
عبيد الله بن محمد بن يعقوب قاضي القضاة جمال الدين الرومي الحنفي ، سبط الوزير أحمد باشا ابن الفناري.
ولي قضاء حلب سنة تسع وعشرين ، وفي سنة إحدى وثلاثين في ذي الحجة منها عقيب صلاة عيد الأضحى بالجامع الكبير أمر أن يتقدم الإمام الحنفي فيصلي بالمحراب الكبير الملاصق للمنبر قبل الشافعي ويصلي الشافعي به من بعده ، فبقي هذا إلى عامنا الذي نحن الآن في آخره عام أربع وستين بعد أن عهدنا المحراب الكبير مختصا بالشافعية والذي عن يمينه وهو الغربي مختصا بالحنفية على وفق ما نقله الزين الشماع في «عيون الأخبار» من تاريخ أبي ذر من أن المحراب الكبير كان مختصا بالأئمة الشافعية والذي عن يمينه بالحنفية ، والمحراب الأصفر الذي عن شماله بالحنابلة ، ومحراب الغربية كان مختصا بالمالكية.
وكان له مدة إقامته بحلب شغف تام بجمع الكتب سمينها وغثها جديدها ورثها ، حتى جمع منه بالجاه ببدل وبدونه ما يناهز تسعة آلاف مجلد ، وجعل فهرستها مجلدا مستقلا يذكر فيه الكتاب ومن ألفه. ولم يعرف مؤلفي عدة من الكتب فكتب أسماءها وفرقها على علماء حلب ليعرفوه بمؤلفيها. وأحضر مجلدي حلب إلى داره لتجديد جلود وترميم أخرى. وفتحت له كنوز الكتب حتى أوعى منها ما أوعى.
وكان مع أصالته فاضلا لا سيما في علم القراءة ، عارفا باللسان العربي والعبراني ، سخيا معطاء ، يسامح في كثير من رسوم المحكمة ، معتقدا في الصوفية ، كثير التردد إلى مجلس الشيخ القدوة علي الكيزواني والتقبيل ليديه من غير حائل * ، لا يتغالى في ملبسه ولكن في ملبس خدمه ، ويميل إلى الرفاهية في مأكله ومشربه ، وإلى العمائر وتحسينها بالنقوش ، حتى أنشأ بمنزله حمّاما لطيفا وسألني في ثمانية أبيات يكتبها على دورها الأعلى ، وكان إنشاؤها سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة فقلت :
السعد وافى لمولى من موالينا |
|
مذ أبدعت هذه الحمّام تكوينا |
رغما على أنف قاليه وحاسده |
|
تبّت يداه فقل بالله آمينا |
__________________
(*) في الأصل : حامل.