ولقد عن لي أن أعوّل على جنابك ، وأسأل من شريف أعتابك ، عن اسم يعرف بالشجاعة ، تقر له أبناء جنسه بالطاعة ، تخدمه الملوك والأعيان ، وتتبعه في المهامه الفرسان ، موضوع وهو محمول ، وعزيز مع أنه مقيد مغلول ، طالما سطا على عدوه فأورده الحمام ، ونال من إراقة دمه المرام ، ومع ذلك فهو يؤثر بما لديه وهو جائع ، ويفعل ولا يقول وهذا من أشرف الطبائع ، رباعي مع أن نصفه حرف من حروف الهجاء ، وإن صحف كان حرفا يستعمل عند الطلب والرجاء ، وإن حذفت أخيره وصحفت الباقي ظهر لك أنه أحد العناصر ، وبتصحيف آخر من غير حذف يبدو لك أحد أسماء القادر القاهر ، مظلوم مع أنه إن لوحظ نصفه الأخير كان في زي ظالم ، وربما أشعر بتصحيفه وحذف ثانيه أنه بريء من جميع المظالم ، فبالذي شيّد بك دعائم الأدب والكمال ، وجلى بفكرك غيهب كل إشكال ، إلا ما أوضحت مشكله ، وبينت خفيه ومقفله ، ولا برحت بنو الآداب ترد حياض آدابك الدافقة ، ويجنون من أزاهير رياض فضائلك الفائقة ، ما ترنم عندليب على فنن ، وحرك بشجوه من كل مغرم ما سكن. انتهى.
قال السيد أحمد ابن النقيب المذكور في ترجمة صاحب الترجمة : وكان بالقرب من ضريح المرحوم ، يعني والده السيد محمد ، عدة أشجار من العنّاب ، فشاهدت يوما أغصانها المخضرة ، تزهو بثمارها المحمرة ، فأتبعت الحسرة بالحسرة ، ولم أملك سوابق العبرة ، وجادت الطبيعة بأبيات على البديهة هي :
وقائلة والدمع في صحن خدها |
|
يفيض كهطّال من السحب قد همى |
أرى شجر العناب في البقعة التي |
|
بها جدث ضم الشريف المعظّما |
له خضرة المرتاح حتى كأنه |
|
على فقده ما إن أحس تألما |
وأغصانه فيها ثمار كأنها |
|
بحمرتها تبدي السرور تلوّما |
ولو أنصفت كانت لعظم مصابه |
|
ذوت واكفهرت حيرة وتندّما |
فقلت لها ما كان ذاك تهاونا |
|
بما نالنا من رزئه وتهضّما |
ولكنها لما وضعنا بأصله |
|
غديرا بأنواع الفضائل مفعما |
بدت خضرة منه تروق وحزنه |
|
كمين فلا تستفظعيه توهّما |
وما احمرت الأثمار إلا لأننا |
|
سقيناه دمعا كان أكثره دما |
فوقف الكوراني على ذلك فقال أبياتا منها :