وبين المنلا أسد بسبب المباحث العلمية أشياء ، فيحتد من الأسد فينتقل من المناظرة إلى إيذائه بلسانه بسبب أن المنلا أسد خلفه على بنت عمه الشيخ شمس الدين لأنها كانت تحته ، فأدى سوء خلقه إلى أن طلقها ، فتزوجها المنلا أسد وهي أم أولاده ، فكان بسبب ذلك اشتداده عليه وإيصال إيذائه إليه. ووقع بينه وبين الداوودي بسبب عقد الداوودي لمجلس الحديث بالجامع الأموي ، فكان ينكر عليه ذلك ويستكثره ، ووقع بينهما مقاولة عند بعض القضاة فقال للداوودي (أنا صخرة الوادي إذا هي زوحمت) (١) وأنت يا ابن داوود :
كناطح صخرة يوما ليوهنها |
|
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل * |
وكان سريع الغضب سريع الرضا ، وإذا غضب لا يقوم لغضبه شيء ، وإذا داراه الرجل يصفو له ، ثم يغلب عليه الحال. وقع بينه وبين ولده الشيخ يحيى ، وكان شديد الحط على ولده ، وتصلح الناس بينهما ثم يعود إلى طرده والحط عليه. وجمع مرة جماعة من أعيان أهل العلم كالقاضي محب الدين والسيد القدسي في آخرين ودخل إلى القاضي يشكو من ولده ، فأحضر بين يديه وعزره فلم يشف خاطره منه ، وتسلط ولده عليه وعلى الجماعة حتى ذهب إلى الروم وجاء بأحكام في أبيه وفي بعض أعيانهم ، وكان يبادر إلى تخطئة الناس ويخطىء في تخطئته كثيرا.
وسمع مرة الشيخ رمضان العجلوني يقرأ في بعض كتب الحديث عن أبي سعيد الخدري بالمهملة ، فقال له : أخطأت يا شيخ ، الخذري بالذال المعجمة ، فقال له الشيخ رمضان : بل إعجام الدال خطأ. وصدق فإن النسبة إلى بني خدرة بالدال المهملة. وكان له من هذا القبيل أشياء. وكان يدرس في البيضاوي ، فإذا تفاوض الطلبة في البحث لا يزيدهم على قراءة عبارة الكشاف من الكتاب. وكان يكتب على الفتاوي ويغلب عليه الصواب. وولي إمامة السليمية فكان يقرأ قراءة العوام ، ويقف الوقوف التي لم يأت بها وجه عن إمام فتركها. وكان مدرسا في بقعة الأموي وغيره. وولي أخيرا تدريس القصاعية الحنفية. ولما كنت أعظ وأقرأ الحديث وأنا يومئذ دون العشرين سنة أنكر ذلك وحمله الحسد على الإنكار بغير وجه حتى شدد النكير في يوم الثلاثاء ثامن عشري رمضان سنة ثمان بعد الألف ، وكانت الشمس قد كسفت كسوفا كليا ، وصلى شيخنا إماما بالناس صلاة الكسوف
__________________
(١) البيت لأبي الطيب وتمامه (وإذا نطقت فإنني الجوزاء).
(*) البيت للأعشى.