وكذا قرأ شيئا منه على منلا محب الله نزيل حلب قديما. ثم انتقل عن قضاء حلب إلى قضاء دمشق القاضي محمد المشهور بعبد الكريم زاده قرأ عليه منه أيضا عشرين درسا فأعجبه شأنه وقوي فيه اعتقاده ، فعرض له في إمامية التكية السليمية بالصالحية بحكم قصور إمامها ، فإذا إمامها قد حضر لديه وتلا بين يديه شيئا من القرآن العظيم ليعرض عن عرضه ، فيصل إلى غرضه ، فصمم على أن لا مجال ، وبذل له خمسة وعشرين دينارا في الحال ، رعاية للجانبين ودفعا لكدر الخاطر من البين. ثم لما صار قاضي العسكر بأناضولي توجه إليه فأعاد إليه تدريس الماردانية ، وكان قد خرج عنه ورقاه في علوم تدريس الجوهرية إلى خمسة عشر درهما عثمانيا ، وعاد من عنده إلى دمشق سنة خمس وستين وتسعمائة.
وترجمه الغزي في ذيل تاريخه «الكواكب السائرة» المسمى «لطف السمر وقطف الثمر» فقال : محمد بن قاسم الشيخ العالم شمس الدين بن المنقار الحلبي المولد والمنشأ ، ثم الدمشقي الحنفي. مولده بحلب سنة إحدى وثلاثين * وتسعمائة. طلب العلم في بلدته حلب ، ولازم ابن الحنبلي وغيره ، ثم وصل إلى دمشق في أواسط المائة العاشرة ورافق الشيخ إسماعيل النابلسي والشيخ عماد الدين المنلا أسد وطبقتهم في الاشتغال على الشيخ العلامة علاء الدين بن عماد الدين الشافعي ، وعلى الشيخ أبي الفتح الشبشيري وغيرهما. وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد ، وأخبرني هو أنه حضر معهما للشيخ الوالد في ختان ولد له كان يقال له رضي الدين وأنه مشى في خدمته وقد أركبوه في شوارع دمشق. وكان الشيخ الوالد يصاحبه عمه البرهان ابن المنقار.
وكان الشيخ شمس الدين علامة إلا أن دعواه كانت أكبر من علمه ، وكان يزعم أن من لم يقرأ عليه أو يحضر درسه فليس بعالم. وكان كثير اللهج بذكر شيخه المذكور (يعني ابن الحنبلي) والإطراء في الثناء عليه ، وإنما يقصد بذلك التميز على أقرانه والانفراد عنهم. وكان بينه وبين الشيخ إسماعيل النابلسي رفيقه في الطلب تمام المناظرة حتى يؤدي ذلك بينهما إلى المهاجرة ، ثم يلائمه الشيخ إسماعيل ويأخذ بخاطره لأن الشيخ إسماعيل كان أنبل منه وأوسع جاها وإطلق لسانا ، ثم يعاود إلى منافرته. وسمعت الشيخ إسماعيل مرة يقول لابن عمه أحمد جلبي : كيف حال الشيخ الأكبر؟ يشير إلى تبجحه بنفسه. وكان يقع بينه
__________________
(*) في «لطف السمر وقطف الثمر» ـ منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق ـ ١٩٨١ ـ تحقيق محمد الشيخ :
مولده بحلب سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.