تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

أحمد بن محمد بن عمرو المديني ، ثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصّدفي ، نا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، فذكره. رواه مسلّم عن حرملة عن ابن وهب (١).

وروى النّسائي (٢) شطره الثاني من قول ابن شهاب (٣) : وأخبرني ابن حزم أنّ ابن عبّاس ، وأبا حبّة ، إلى آخره عن يونس ، فوافقناه بعلوّ (٤).

وقد أخرجه البخاريّ (٥) من حديث اللّيث ، عن يونس ، وتابعه عقيل ، عن الزّهري.

وقال همّام (٦) : سمعت قتادة يحدّث ، عن أنس ، أنّ مالك بن صعصعة حدّثه ، أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدّثهم عن ليلة أسري به قال : بينما أنا في الحطيم ـ وربّما قال قتادة في الحجر ـ مضطجعا إذا أتاني آت ـ فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال : فأتاني وقد سمعت قتادة يقول ـ فشقّ ما بين هذه إلى هذه ، قال قتادة : قلت للجارود ، وهو إلى جنبي : ما يعني؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته (٧)؟ قال : فاستخرج قلبي ، ثمّ أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا ، فغسل قلبي ، ثمّ حشي ، ثمّ أعيد ، ثم أتيت بدابّة دون البغل ، وفوق الحمار أبيض ـ فقال له الجارود : هو البراق يا أبا حمزة؟ قال : نعم ـ يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا ، فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل :

__________________

(١) صحيح مسلّم رقم (١٦٣).

(٢) في كتاب الصلاة ، ١ / ٢١٧ فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين في إسناده حديث أنس ...

(٣) في (ع) : ابن هشام. وهو وهم بيّن.

(٤) في (ع) : (بعلم) وهو تحريف.

(٥) في صحيحه ١ / ٩١ كتاب الصلاة.

(٦) هو همّام بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي المحلمي. مات سنة ١٦٤ ه‍ ـ. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ١١ / ٦٩ ، ٧٠ رقم ١٠٨.

(٧) في حاشية الأصل «سرّته».

٢٦١

ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل (١) مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح (٢) فلمّا خلصت (٣) فإذا آدم فيها ، فقال : هذا أبوك آدم فسلّم عليه ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام ، ثمّ قال : مرحبا بالابن الصّالح ، والنّبيّ الصّالح ، ثمّ صعد حتى أتى السماء الثانية ، فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل : قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، قال : ففتح ، فلمّا خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما ، فسلّمت عليهما (٤) ، فردّ السلام ، ثمّ قالا : مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح ، ثمّ صعد بي حتى أتى السماء الثالثة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، قال : ففتح ، فلمّا خلصت فإذا يوسف قال : هذا يوسف فسلّم عليه ، فسلّمت عليه ، فردّ وقال : مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح ، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم. قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، قال : ففتح ، فلمّا خلصت فإذا إدريس قال : هذا إدريس فسلّم عليه ، فسلّمت وردّ ، ثمّ قال : مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصالح ، ثم صعد بي حتّى أتى السماء الخامسة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، قال : محمد ،

__________________

(١) في الأصل ، والصحيح «قال».

(٢) في الأصل زيادة «له» ، وهي مقحمة ، ليست في كتب الصحاح.

(٣) في (ع) «خلعت» ، وهو تصحيف ظاهر.

(٤) (فسلّمت عليهما) ساقطة من الأصل ، والمنتقى لابن الملا.

٢٦٢

قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، قال : ففتح ، فلمّا خلصت فإذا هارون قال : هذا هارون فسلّم عليه ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام ، ثمّ قال : مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصالح ، ثمّ صعد بي حتّى أتى السماء السادسة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، فقيل : ومن معك؟ قال : محمّد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، قال : ففتح ، فلمّا خلصت فإذا موسى قال : هذا موسى فسلّم عليه ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام؟ ثم قال : مرحبا بالأخ الصّالح ، والنّبيّ الصّالح ، قال : فلمّا جاوزت بكى ، فقيل له : ما يبكيك؟ قال : أبكي لأنّه غلام (١) بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّن يدخلها من أمّتي ، ثم صعد بي حتّى أتى السماء السابعة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، فقيل : ومن معك؟ قال : محمّد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، فقال : مرحبا به ونعم المجيء جاء ، ففتح ، فلمّا خلصت فإذا إبراهيم عليه‌السلام ، قال : هذا إبراهيم فسلّم عليه ، فسلّمت عليه ، فردّ وقال : مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح ، ثم رفعت لي (٢) سدرة المنتهى. فإذا نبقها مثل قلال هجر (٣) وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، فقال : هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران. فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : أمّا الباطنان فنهران في الجنّة ، وأمّا الظّاهران فالنّيل والفرات (٤). ثمّ رفع لي البيت المعمور ، ثم أتيت بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، وإناء من عسل ، فأخذت اللبن. فقال : هذه الفطرة أنت عليها وأمّتك.

قال : ثمّ فرضت عليّ الصّلاة ، خمسون صلاة في كلّ يوم ، فرجعت

__________________

(١) الغلام : الطّارّ الشارب ، والكهل ، ضدّ. كما في (القاموس المحيط).

(٢) في الأصل (إلي) وفي المنتقى لابن الملّا (لي) وهو الموافق لصحيح الإمام البخاري.

(٣) النّبق : بكسر الباء ، والمراد أنّ ثمرها كبير.

(٤) هذا مجاز.

٢٦٣

فمررت على موسى فقال : بم أمرت؟ قلت : بخمسين صلاة في كلّ يوم. قال : إنّ أمّتك لا تستطيع ذلك ، فإنّي قد خبرت (١) النّاس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة ، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف. قلت : قد سألت ربّي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلّم ، فلمّا نفردت ناداني مناد ، قد أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي. أخرجه البخاريّ ، عن هدبة عنه (٢).

وقال معاذ بن هشام : حدّثني أبي ، عن قتادة ، ثنا أنس ، عن مالك بن صعصعة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ، فذكر نحوه ، وزاد فيه : فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فشقّ من النّحر إلى مراقّ البطن ، فغسل بماء زمزم ، ثمّ مليء حكمة وإيمانا. أخرجه مسلّم بطوله (٣).

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن مالك بن صعصعة ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينما أنا عند البيت ، بين النائم واليقظان ، إذ سمعت قائلا يقول : أحد الثلاثة بين الرجلين ، قال : فأتيت فانطلق بي ، ثمّ أتيت بطست من ذهب فيه من ماء زمزم ، فشرح صدري إلى كذا وكذا ، قال قتادة : قلت لصاحبي : ما يعني؟ قال : إلى أسفل بطني ، فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ، ثمّ أعيد مكانه ، وحشي ، أو قال : كنز إيمانا وحكمة ـ

__________________

(١) عند البخاري «جرّبت».

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٧٧ في كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، وفي الأنبياء ، باب قول الله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً) ، وباب قول الله تعالى (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) ، وفي فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب المعراج ، ومسلّم (١٦٤) في كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والترمذي رقم (٣٣٤٣) في التفسير ، باب ومن سورة ألم نشرح ، والنسائي ١ / ٢١٧ ، و ٢١٨ في الصلاة ، باب فرض الصلاة ، والبيهقي في دلائل النّبوّة ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٦ ، وانظر سيرة ابن كثير ٢ / ١٠٨ ـ ١١١ ، وتهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٣) رقم (١٦٤) في كتاب الإيمان.

٢٦٤

شكّ سعيد ـ ثم أتيت بدابّة أبيض يقال له البراق ، فوق الحمار ودون البغل ، يقع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملني عليه ومعي صاحبي لا يفارقني ، فانطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا.

وساق الحديث كحديث همّام ، إلى قوله البيت المعمور ، فزاد «يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ، حتّى إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم».

قلت : وهذه زيادة رواها همّام في حديثه ، وهو أتقن من ابن أبي عروبة ، فقال : فقال : قال قتادة ، فحدّثنا الحسن ، عن أبي هريرة أنّه رأى البيت يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه. ثم رجع إلى حديث أنس ، وفي حديث ابن أبي عروبة زيادة : في سدرة المنتهى إنّ ورقها مثل آذان الفيلة ، ولفظه : ثمّ أتيت على موسى فقال : بم أمرت؟ قلت : بخمسين صلاة ، قال : إنّي قد بلوت النّاس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة وإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربّك فاسأله التخفيف لأمّتك ، فرجعت ، فحطّ عنّي خمس صلوات ، فما زلت أختلف بين ربّي وبين موسى كلّما أتيت عليه ، قال لي مثل مقالته ، حتّى رجعت بخمس صلوات ، كلّ يوم ، فلمّا أتيت على موسى قال كمقالته ، قلت : لقد رجعت إلى ربّي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلّم فنوديت أن : قد أمضيت فريضتي ، وخفّفت عن عبادي ، وجعلت بكلّ حسنة عشر أمثالها. أخرجه مسلّم (١).

وقد رواه ثابت البناني ، وشريك بن أبي نمر ، عن أنس (٢) ، فلم يسنده

__________________

(١) رقم (١٦٤) في كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.

(٢) صحيح مسلّم (١٦٢ / ٢٦٢) كتاب الإيمان.

٢٦٥

لهما ، لا عن أبي ذرّ ، ولا عن مالك بن صعصعة ، ولا بأس بمثل ذلك ، فإنّ مرسل الصّحابيّ حجّة.

قال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أتيت بالبراق ، وهو دابّة أبيض ، فركبته حتى أتينا بيت المقدس ، فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ، ثمّ دخلت فصلّيت ، فأتاني بإناءين خمر ولبن ، فاخترت اللّبن ، فقال : أصبت الفطرة ، ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : أنا جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : قد أرسل ، ففتح لنا ، فإذا بآدم.

فذكر الحديث ، وفيه : فإذا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحّب بي ودعا لي بخير ، إلى أن قال : لما فتح له السماء السابعة : فإذا بإبراهيم ، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور ، فرحّب بي ، ودعا لي بخير ، فإذا هو يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثمّ ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، قال : فلمّا غشيها من أمر الله ما غشي تغيّرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، قال : فدنا فتدلّى فأوحى إلى عبده ما أوحى ، وفرض عليّ في كلّ يوم خمسون صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال : ما فرض ربّك على أمّتك؟ قلت : خمسين صلاة في كلّ يوم وليلة ، قال : ارجع إلى ربّك فاسأله التخفيف ، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك ، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل وجرّبتهم وخبرتهم ، قال : فرجعت فقلت : أي ربّ خفّف عن أمّتي ، فحطّ عنّي خمسا ، فرجعت حتى انتهيت إلى موسى فقال : ما فعلت؟ قلت : قد حطّ عنّي خمسا ، فقال : إنّ أمّتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمّتك ، فلم أزل أرجع بين ربّي وبين موسى حتى قال : هي خمس

٢٦٦

صلوات في كلّ يوم وليلة ، بكلّ صلاة عشر ، فذلك خمسون صلاة.

أخرجه مسلّم (١) دون قوله : فدنا فتدلّى ، وذلك ثابت في رواية حجّاج بن منهال ، وهو ثبت في حمّاد بن سلمة.

وقال سليمان بن بلال ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، قال : سمعت أنشا يقول ، وذكر حديث الإسراء ، وفيه : ثم عرج به إلى السماء السابعة ، ثمّ علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلّا الله ، حتى جاء إلى سدرة المنتهى ، ودنا الجبّار ربّ العزّة ، فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. أخرجه البخاريّ (٢) ، عن عبد العزيز بن عبد الله ، عن سليمان.

وقال شيبان ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، ثنا ابن عبّاس قال : قال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأيت ليلة أسري بي موسى عليه‌السلام رجلا طوالا جعدا ، كأنّه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، قال : وأري مالكا خازن النّار والدّجّال في آيات أراهنّ الله إيّاه قال : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) (٣). فكان قتادة يفسّرها أنّ نبيّ الله قد لقي موسى. أخرجه مسلّم (٤).

وفي الصّحيحين (٥) ، من حديث سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة

__________________

(١) صحيح مسلّم (١٦٢) في كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السماوات ، وفرض الصلوات.

(٢) في التوحيد ، باب ما جاء في (وكلّم موسى تكليما) ، وفي الأنبياء باب صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) سورة السجدة ـ الآية ٢٣.

(٤) صحيح مسلّم (١٦٥ / ٢٦٧) كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.

(٥) أخرجه البخاري ٤ / ١٢٥ في كتاب بدء الخلق ، باب قول الله تعالى (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ، ومسلّم (١٦٨) في كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.

٢٦٧

قال : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أسري به ، لقيت موسى وعيسى ـ ثم نعتهما ـ ورأيت إبراهيم ، وأنا أشبه ولده به.

وقال مروان بن معاوية الفزاريّ ، عن قنان النّهميّ (١) ، ثنا أبو ظبيان الجنبي (٢) قال : كنّا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله ومحمد بن سعد بن أبي وقّاص ، فقال محمد لأبي عبيدة : حدّثنا عن أبيك ليلة أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو عبيدة : لا ، بل حدّثنا أنت عن أبيك ، قال : لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت ، فأنشأ أبو عبيدة يحدّث قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتاني جبريل بدابّة فوق الحمار ودون البغل ، فحملني عليه (٣) ، فانطلق يهوي بنا ، كلّما صعد عقبة استوت رجلاه مع يديه ، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم ، كأنّه من رجال أزد شنوءة ، وهو يقول ويرفع صوته ويقول : أكرمه وفضّلته فدفعنا إليه ، فسلّمنا ، فردّ السلام ، فقال : من هذا معك يا جبريل؟ قال : هذا أحمد.

قال : مرحبا بالنّبيّ الأميّ الّذي بلّغ رسالة ربّه ونصح لأمّته.

قال : ثم اندفعنا ، فقلت : من هذا يا جبريل؟ قال : موسى ، قلت : ومن يعاتب؟ قال : يعاتب ربّه فيك ، قلت : ويرفع صوته على ربّه! قال : إنّ الله قد عرفت له حدّته.

قال : ثم اندفعنا حتّى مررنا بشجرة كأنّ ثمرها السّرج وتحتها شيخ وعياله ، فقال لي جبريل : اعمد إلى أبيك إبراهيم ، فسلّمنا عليه فردّ السلام وقال : من هذا معك يا جبريل؟ قال : ابنك أحمد ، فقال : مرحبا بالنّبيّ

__________________

(١) النّهمي : بكسر النون وسكون الهاء ، نسبة إلى نهم ، بطن من همدان ، (اللباب ٣ / ٣٣٨).

(٢) نسبة إلى جنب قبيلة يمنيّة. بفتح الجيم وسكون النّون. (اللباب ١ / ٢٩٤).

(٣) الدابة يقع على المذكر والمؤنث. (بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي).

٢٦٨

الأمّي الّذي بلّغ رسالة ربّه ونصح لأمّته ، يا بنيّ إنّك لاق ربّك الليلة ، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلّها في أمّتك فافعل.

قال : ثمّ اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى ، فنزلت فربطت الدّابّة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها ، ثمّ دخلت المسجد فعرفت النّبيّين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن ، فأخذت اللّبن فشربته ، فضرب جبريل منكبي وقال : أصبت الفطرة وربّ محمد ، ثم أقيمت الصّلاة ، فأممتهم ، ثمّ انصرفنا فأقبلنا ... هذا حديث حسن غريب (١).

فإن قيل : فقد صحّ عن ثابت ، وسليمان التّميميّ ، عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر ، وهو قائم يصلّي في قبره ، وقد صحّ عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى يصلّي ، وذكر إبراهيم ، وعيسى قال : فحانت الصّلاة فأممتهم».

ومن حديث ابن المسيّب أنّه لقيهم في بيت المقدس. فكيف الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما تقدّم ، من أنّه رأى هؤلاء الأنبياء في السموات ، وأنّه راجع موسى؟

فالجواب : أنّهم مثّلوا له ، فرآهم غير مرّة ، فرأى موسى في مسيره قائما يصلّي في قبره ، ثمّ رآه في بيت المقدس ، ثمّ رآه في السماء السادسة هو وغيره ، فعرج بهم ، كما عرج بنبيّنا صلوات الله على الجميع وسلامه ، والأنبياء أحياء عند ربّهم كحياة الشّهداء عند ربّهم ، وليست حياتهم كحياة أهل الدنيا ، ولا حياة أهل الآخرة ، بل لون آخر ، كما ورد أنّ حياة الشهداء

__________________

(١) رواه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٨٦ ، ٣٨٧.

٢٦٩

بأن جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، تسرح في الجنّة وتأوي إلى قناديل معلّقة تحت العرش ، فهم أحياء عند ربّهم بهذا الاعتبار كما أخبر سبحانه وتعالى ، وأجسادهم في قبورهم.

وهذه الأشياء أكبر من عقول البشر ، والإيمان بها واجب كما قال تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (١).

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله ، أنا أبو روح عبد المعزّ بن محمد كتابة ، أنّ تميم بن أبي سعيد الجرجانيّ أخبرهم ، أنبأ أبو سعد محمد بن عبد الرحمن ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا أحمد بن عليّ بن المثنّى ، ثنا هدبة بن خالد ، ثنا حمّاد بن سلمة ، عن عطاء بن السّائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مررت ليلة أسري بي برائحة طيّبة ، فقلت : ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال هذه ماشطة بنت فرعون ، كانت تمشّطها ، فوقع المشط من يدها ، فقالت : بسم الله ، قالت بنت فرعون : أبي ، قالت : ربّي وربّ أبيك ، قالت : أقول له إذا ، قالت : قولي له ، قال لها : أو لك ربّ غيري! قالت : ربّي وربّك الّذي في السماء ، قال : فاحمي لها بقرة (٢) من نحاس ، فقالت : إنّ لي إليك حاجة ، قال : وما هي؟ قالت : أن تجمع عظامي وعظام ولدي ، قال : ذلك لك علينا لما لك علينا من الحقّ. فألقي ولدها في البقرة ، واحدا واحدا واحدا ، فكان آخرهم صبيّ ، فقال : يا أمّه اصبري فإنّك على الحقّ. قال ابن عبّاس : فأربعة تكلّموا وهم صبيّان : ابن ماشطة بنت فرعون ، وصبيّ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٣. ولحلّ مشكلات الاسراء والمعراج اقرأ كتاب (الإسراء والمعراج للأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود) وكتاب (الإسراء والمعراج للأستاذ الشيخ محمد متولّي الشعراوي) وكتاب (الإسراء والمعراج للشيخ عبد الفتاح الإمام).

(٢) هي قدر كبيرة.

٢٧٠

جريج ، وعيسى ابن مريم ، والرابع لا أحفظه. هذا حديث حسن (١).

وقال ابن سعد (٢) : أنا محمد بن عمر ، عن أبي بكر بن أبي سبرة وغيره قالوا : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأل ربّه أن يريه الجنّة والنّار ، فلمّا كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من (٣) رمضان ، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نائم في بيته (٤) أتاه جبريل (٥) بالمعراج ، فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرج (٦) به إلى السموات سماء سماء ، فلقي فيها الأنبياء ، وانتهى إلى سدرة المنتهى (٧).

قال ابن سعد (٨) : وأنبأ محمد بن عمر ، حدّثني أسامة بن زيد اللّيثي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه. قال محمد بن عمر : وثنا موسى بن يعقوب الزّمعيّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أمّ سلمة. ونا موسى بن يعقوب ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة. وحدّثني إسحاق بن حازم ، عن وهب بن كيسان ، عن أبي مرّة ، عن أمّ هانئ (٩) ، وحدّثني عبد الله بن جعفر ، عن زكريّا بن عمرو ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس ، دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن (٤٠٣٠) باب الصبر على البلاء ، وأحمد في المسند ١ / ٣٠٩ ، ٣١٠.

(٢) الطبقات الكبرى ١ / ٢١٣.

(٣) في الطبقات «شهر رمضان».

(٤) في الطبقات «بيته ظهرا».

(٥) في الطبقات «وميكائيل فقالا : انطلق إلى ما سألت الله ، فانطلق به إلى ما بين المقام وزمزم ، فأتي بالمعراج».

(٦) في الطبقات «فعرجا».

(٧) في الطبقات زيادة للحديث.

(٨) الطبقات الكبرى ١ / ٢١٣.

(٩) هي ابنة أبي طالب كما في الطبقات لابن سعد.

٢٧١

سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة (١) من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس ، وساق الحديث إلى أن قال : وقال بعضهم في الحديث : فتفرّقت بنو عبد المطّلب يطلبونه حين فقد يلتمسونه ، حتى بلغ العبّاس ذا طوى (٢) ، فجعل يصرخ : يا محمد يا محمد ، فأجابه رسول الله : لبّيك فقال : يا بن أخي عنّيت قومك منذ اللّيلة ، فأين كنت.

قال : «أتيت من بيت المقدس».

قال : في ليلتك! قال : «نعم».

قال : هل أصابك إلّا خير؟ قال : «ما أصابني إلّا خير».

وقالت أمّ هانئ : ما أسري به إلّا من بيتنا : نام عندنا تلك اللّيلة بعد ما صلّى العشاء ، فلمّا كان قبل الفجر أنبهناه للصّبح ، فقام ، فلمّا صلّى الصّبح قال : يا أمّ هانئ (٣) جئت إلى بيت المقدس ، فصلّيت فيه ، ثمّ صلّيت الغداة معكم.

فقالت : لا تحدّث النّاس فيكذّبونك ، قال : والله لأحدّثنّهم ، فأخبرهم فتعجّبوا ، وساق الحديث (٤).

فرّق الواقديّ ، كما رأيت ، بين الإسراء والمعراج ، وجعلهما في تاريخين.

وقال عبد الوهاب بن عطاء : أنبأ راشد أبو محمد الحماني ، عن أبي هارون العبديّ ، عن أبي سعيد الخدريّ ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال له أصحابه :

__________________

(١) في الطبقات «قبل الهجرة بسنة».

(٢) موضع عند باب مكة. (النهاية لابن الأثير).

(٣) في الطبقات بعد أم هانئ «لقد صلّيت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي ثم قد جئت بيت المقدس».

(٤) طبقات ابن سعد ١ / ٢١٣ ـ ٢١٥.

٢٧٢

يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها ، فقرأ أوّل سبحان وقال : بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام ، إذ أتاني آت فأيقظني ، فاستيقظت ، فلم أر شيئا ، ثمّ عدت في النّوم ، ثمّ أيقظني ، فاستيقظت ، فلم أر شيئا ، ثمّ نمت ، فأيقظني ، فاستيقظت ، فلم أر شيئا ، فإذا أنا بهيئة خيال فأتبعته بصري ، حتى خرجت من المسجد ، فإذا أنا بدابّة أدنى شبهه بدوابّكم هذه بغالكم ، مضطرب الأذنين ، يقال له البراق ، وكانت الأنبياء تركبه قبلي ، يقع حافره مدّ بصره ، فركبته ، فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني : يا محمد أنظرني أسألك ، فلم أجبه ، فسرت ، ثم دعاني داع عن يساري : يا محمد أنظرني أسألك ، فلم أجبه ، ثمّ إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها ، وعليها من كلّ زينة ، فقالت : يا محمد أنظرني أسألك ، فلم ألتفت إليها ، حتى أتيت بيت المقدس ، فأوثقت دابّتي بالحلقة ، فأتاني جبريل بإناءين : خمر ولبن ، فشربت اللّبن ، فقال : أصبت الفطرة ، فحدّثت جبريل عن الدّاعي الّذي عن يميني ، قال : ذاك داعي اليهود ، لو أجبته لتهوّدت أمّتك ، والآخر داعي النّصارى ، لو أجبته لتنصّرت أمّتك ، وتلك المرأة الدّنيا ، لو أجبتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة ، ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس ، فصلّينا ركعتين ، ثم أتيت بالمعراج الّذي تعرج عليه أرواح بني آدم ، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج ، أما رأيتم الميت حين (١) يشقّ بصره طامحا إلى السماء ، فإنّما يفعل ذلك عجبه به ، فصعدت أنا وجبريل ، فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل ، وهو صاحب سماء الدنيا ، وبين يديه سبعون ألف ملك ، قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (٢). فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم

__________________

(١) في ع (حيث).

(٢) سورة المدّثر ، الآية ٣١.

٢٧٣

خلقه الله على صورته ، تعرض عليه أرواح ذرّيّته المؤمنين فيقول : روح طيّبة ونفس طيّبة اجعلوها في علّيّين ، ثم تعرض عليه أرواح ذرّيّته الفجّار ، فيقول : روح خبيثة ونفس خبيثة ، اجعلوها في سجّين. ثمّ مضت هنيّة ، فإذا أنا بأخونة ـ يعني بالخوان المائدة ـ عليها لحم مشرّح ، ليس بقربها أحد ، وإذا أنا بأخونة أخرى ، عليها لحم قد أروح ، ونتن ، وعندها أناس يأكلون منها. قلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء من أمّتك يتركون الحلال ويأتون الحرام ، قال : ثمّ مضت هنيّة ، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت ، كلّما نهض أحدهم خرّ يقول : اللهمّ لا تقم السّاعة ، وهم على سابلة آل فرعون ، فتجيء السّابلة فتطاردهم ، فسمعتهم يضجّون إلى الله ، قلت : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء من أمّتك الذين يأكلون الرّبا ، ثم مضت هنيّة ، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل ، فتفتح أفواههم ويلقمون الجمر ، ثمّ يخرج من أسافلهم فيضجّون ، قلت : من هؤلاء؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، ثم مضت هنيّة ، فإذا أنا بنساء يعلّقن بثديهنّ ، فسمعتهنّ يضججن إلى الله ، قلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : الزّناة من أمّتك ، ثم مضت هنيّة ، فإذا أنا بأقوام يقطّع من جنوبهم اللّحم ، فيلقّمون ، فيقال له : كل ما كنت تأكل من لحم أخيك ، قلت : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الهمّازون من أمّتك اللّمّازون. ثم صعدت إلى السماء الثانية ، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله ، قد فضل على النّاس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قلت : يا جبريل من هذا؟ قال : هذا أخوك يوسف ، ومعه نفر من قومه ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، ثم صعدت إلى السماء الثالثة ، فإذا أنا بيحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما. ثم صعدت إلى الرابعة ، فإذا أنا بإدريس ، ثم صعدت إلى السماء الخامسة ، فإذا أنا بهارون ، ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء ، تكاد لحيته تصيب سرّته من طولها ، قلت : يا جبريل من هذا؟ قال : هذا المحبّب في قومه ، هذا هارون بن عمران ، ومعه نفر

٢٧٤

من قومه ، فسلّمت عليه ، ثم صعدت إلى السماء السادسة ، فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر ، لو كان عليه قميصان لنفذ (١) شعره دون القميص ، وإذا هو يقول : يزعم النّاس أنّي أكرم على الله من هذا ، بل هذا أكرم على الله منّي ، قلت : من هذا؟ قال : موسى. ثم صعدت السابعة ، فإذا أنا بإبراهيم ، ساند ظهره إلى البيت المعمور ، فدخلته ودخل معي طائفة من أمّتي ، عليهم ثياب بيض ، ثم دفعت إلى سدرة المنتهى (٢) ، فإذا كلّ ورقة منها تكاد أن تغطّي هذه الأمّة ، وإذا فيها عين تجري ، يقال لها سلسبيل ، فيشقّ منها نهران ، أحدهما الكوثر والآخر نهر الرّحمة ، فاغتسلت فيه ، فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر ، ثمّ إنّي دفعت إلى الجنّة ، فاستقبلتني جارية ، فقلت : لمن أنت؟ قالت : لزيد بن حارثة ، ثمّ عرضت عليّ النّار ، ثم أغلقت ، ثم إنّي دفعت إلى سدرة المنتهى فتغشّى لي ، وكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى ، قال : ونزل على كلّ ورقة ملك من الملائكة ، وفرضت عليّ الصّلاة خمسين ، ثم دفعت إلى موسى ـ فذكر مراجعته في التخفيف. أنا اختصرت ذلك وغيره إلى أن قال ـ فقلت : رجعت إلى ربّي حتى استحييته.

ثمّ أصبح بمكّة يخبرهم بالعجائب ، فقال : إنّي أتيت البارحة بيت المقدس ، وعرج بي إلى السماء ، ورأيت كذا ، ورأيت كذا ، فقال أبو جهل : ألا تعجبون مما يقول محمد ، وذكر الحديث (٣).

هذا حديث غريب عجيب حذفت نحو النّصف منه. رواه نجيّ بن أبي

__________________

(١) في ع (لنفد) وهو تصحيف.

(٢) هنا خرم سطر في (ع).

(٣) رواه البيهقي في دلائل النبوّة ٢ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٨٧ ـ ٣٩١ ، والسيوطي في الخصائص الكبرى ١ / ١٦٧ ـ ١٦٩ وقال إن الحديث في تفسير الطبري ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.

٢٧٥

طالب ، عن عبد الوهاب ، وهو صدوق ، عن راشد الحماني ، وهو مشهور ، روى عنه حمّاد بن زيد ، وابن المبارك ، وقال أبو حاتم (١) : صالح الحديث ، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبديّ ، وهو ضعيف شيعيّ (٢). وقد رواه عن أبي هارون أيضا هشيم ، ونوح بن قيس الحدّاني بطوله نحوه ، حدّث به عنهما قتيبة بن سعيد. ورواه سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن روح بن القاسم ، عن أبي هارون العبديّ بطوله. ورواه أسد بن موسى ، عن مبارك بن فضالة ، ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، والحسن بن عرفة ، عن عمّار بن محمد ، كلّهم عن أبي هارون ، وبسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكا.

وقال إبراهيم بن حمزة الزّبيريّ : ثنا حاتم بن إسماعيل ، حدّثني عيسى بن ماهان ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة. (ح) (٣) وقال هاشم بن القاسم ، ويونس بن بكير ، وحجّاج الأعور ، ثنا أبو جعفر الرّازي ، وهو عيسى بن ماهان ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة أو غيره ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال في هذه الآية (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) قال : أتي بفرس فحمل عليه ، خطوة منتهى بصره ، فسار وسار معه جبريل ، فأتى على

__________________

(١) في الجرح والتعديل ٣ / ٤٨٤ رقم ٢١٨٧.

(٢) انظر عنه : التاريخ لابن معين ٢ / ٤٢٤ ، الطبقات لخليفة ٢١٧ ، التاريخ الكبير ٦ / ٤٩٩ رقم ٣١٠٧ ، التاريخ الصغير ١٦٢ ، الضعفاء الصغير ٢٧٢ رقم ٢٨٢ ، الضعفاء والمتروكين للنسائي ٣٠٠ رقم ٣٧٦ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٢١٠ ، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ ١٢٨ رقم ٣٨١ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ٩٧ رقم ١٤٢ ، الجرح والتعديل ٦ / ٣٦٣ رقم ٢٠٠٥ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٣١٣ رقم ١٣٢٧ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٥ / ١٧٣٢ ، الكاشف ٢ / ٢٦٢ رقم ٤٠٦٥ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٧٣ رقم ٦٠١٨ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٤٦٠.

(٣) رمز بمعنى تحويلة ، وهي معروفة في علم مصطلح الحديث.

٢٧٦

قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلّما حصدوا عاد كما كان ، فقال : يا جبريل ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء المهاجرون في سبيل الله ، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) (١). ثمّ أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصّخر ، كلّما رضخت عادت! قال : يا جبريل ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصّلاة ، ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع ، وعلى أدبارهم رقاع* يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضّريع والزّقّوم ، ورضف جهنّم ، قال : يا جبريل ما هؤلاء؟ قال : الذين لا يؤدّون الزّكاة ، ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمرّ بها شيء إلّا قصعته ، يقول الله تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) (٢). ثم مرّ على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها ، وهو يريد أن يزيد عليها ، قال : يا جبريل ما هذا؟ قال : هذا رجل من أمّتك عليه أمانة ، لا يستطيع أداءها ، وهو يزيد عليها ، ثمّ أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد ، كلّما قرضت عادت كما كانت. قال : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء خطباء الفتنة.

ثم نعت الجنّة والنّار ، إلى أن قال : ثمّ سار حتى أتى بيت المقدس ، فدخل وصلّى ، ثمّ أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربّهم.

وذكر حديثا طويلا في ثلاث ورقات كبار (٣). تفرّد به أبو جعفر الرّازي ، وليس هو بالقويّ (٤) ، والحديث منكر يشبه كلام القصّاص ، إنّما أوردته للمعرفة لا للحجّة.

__________________

(١) سورة سبإ ـ الآية ٣٩.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٨٦.

(٣) رواه السيوطي في الخصائص الكبرى ١ / ١٧١ ـ ١٧٤ وقال إن حديث أبي هريرة في تفسير الطبري ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبزّار ، وأبي يعلى. وانظر دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ١٤٣ ـ ١٤٨.

(٤) انظر عنه : الطبقات لخليفة ٣٢٤ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ٦ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ رقم ٢٧٩٠ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٣٨٨ رقم ١٤٢٨ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٥ / ١٨٩٤.

٢٧٧

وروى في المعراج إسحاق بن بشر حديثا ، وليس بثقة (١) ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس.

وقال معمر ، عن الزّهريّ ، عن عروة ، عن عائشة قالت : فرضت الصّلاة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ركعتين ركعتين ، فلمّا خرج إلى المدينة فرضت أربعا ، وأقرّت صلاة السّفر ركعتين. أخرجه البخاريّ (٢). آخر الإسراء (٣).

__________________

(١) هو المعروف بالبخاري ، أبو حذيفة. انظر عنه : الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ ٦١ رقم ٩٢ ، والمجروحين لابن حبّان ١ / ١٣٥ ، ميزان الاعتدال ١ / ١٨٤ ـ ١٨٦ رقم ٧٣٩ ، المغني في الضعفاء ١ / ٦٩ رقم ٥٤٥ الكامل لابن عديّ ١ / ٣٣١ ، لسان الميزان ١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ رقم ١٠٩٦.

(٢) في مناقب الأنصار ٤ / ٢٦٧ باب من أين أرّخوا التاريخ. ورواه مسلّم (٦٨٥) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة المسافرين وقصرها ، وأبو داود في باب صلاة المسافر (١١٩٨) ، والنسائي في الصلاة ١ / ٢٢٥ باب كيف فرضت الصلاة ، ومالك في الموطّأ ١ / ١٠٣ رقم (٣٣٢) في قصر الصلاة في السفر ، وأحمد ٦ / ٢٣٤ و ٢٤١ و ٢٦٥.

(٣) هنا في حاشية الأصل : (بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد الخامس على مؤلّفه ، فسح الله في مدّته).

وخليل بن أيبك هذا هو الصلاح الصفدي الأديب المؤرّخ المشهور صاحب كتاب الوافي بالوفيات.

٢٧٨

زواجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعائشة وسودة أمّي المؤمنين

قال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : تزوّجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوفّى خديجة ، قبل الهجرة ، وأنا ابنة ستّ ، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع سنين جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة ، وأنا مجمّمة (١) ، فهيّأنني وصنعنني ، ثمّ أتين بي إليه. قال عروة : ومكث عنده تسع سنين. وهذا حديث صحيح (٢).

وقال أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه قال : توفّيت خديجة قبل مخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة بثلاث سنين ، فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ، ونكح عائشة وهي بنت ستّ سنين ، ثمّ بني بها وهي ابنة تسع (٣). أخرجه

__________________

(١) أي ذات جمّة. والجمّة من شعر الرأس : ما سقط على المنكبين.

(٢) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة ، وفي النكاح ، باب إنكاح الرجل ولده الصغار ، وباب تزويج الأب ابنته من الإمام ، وباب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس وللعروس ، وباب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين ، وباب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران ، ومسلّم (١٤٢٢) في النكاح ، باب تزويج الأب البكر الصغيرة ، وأبو داود رقم (٢١٢١) في النكاح ، باب في تزويج الصغار ، ورقم ٤٩٣٣ و ٤٩٣٤ و ٤٩٣٥ و ٤٩٣٦ و ٤٩٣٧ في الأدب ، باب في الأرجوحة ، والنسائي ٦ / ٨٢ في النكاح ، باب إنكاح الرجل ابنته الصغيرة. انظر : جامع الأصول ١١ / ٤٠٧.

(٣) عند البخاري «وهي بنت تسع سنين».

٢٧٩

البخاري (١) هكذا مرسلا.

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أريتك في المنام مرّتين ، أرى أنّ رجلا يحملك في سرقة من حرير (٢) فيقول : هذه امرأتك ، فأكشف فأراك فأقول : إن كان هذا من عند الله يمضه». متّفق عليه (٣).

وقال عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : قالت عائشة : لمّا ماتت خديجة رضي‌الله‌عنهما جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : ألا تزوّج؟ قال : ومن؟ قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيّبا.

قال : من البكر ومن الثّيّب.

فقالت : أمّا البكر فعائشة بنت أحبّ خلق الله إليك.

وأمّا الثّيّب فسودة بنت زمعة ، قد آمنت بك واتّبعتك ، قال : اذكريهما عليّ.

قالت : فأتيت أمّ رومان فقلت : يا أمّ رومان ما ذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ، قالت : ما ذا؟

قالت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكر عائشة.

__________________

(١) في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة.

(٢) أي قطعة من جيّد الحرير. واحدها : السّرق. و «من» ساقطة من الأصل.

(٣) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها ، وفي النكاح ، باب نكاح الأبكار ، وباب النظر إلى المرأة قبل التزويج ، وفي التعبير باب كشف المرأة في المنام ، وباب ثياب الحرير في المنام ، ومسلّم (٢٤٣٨) في فضائل الصحابة ، باب في فضل عائشة رضي‌الله‌عنها ، والترمذي رقم ٣٨٧٥ في المناقب ، باب من فضل عائشة رضي‌الله‌عنها ، ورواه ابن إسحاق في السير والمغازي ٢٥٥.

٢٨٠